عرفنا في العقود الماضية وعيا سلسا بقضايا المرأة الموريتانية، ولم يكن المجتمع عائقا دون ترقيها لأي وضع أو مكانة،.. بَنيتُ حُجَّتي هذه على تجربة عمل في قطاع المرأة بشتى فروعه، وعلى مُعايشةٍ لواقع الحال.. ليس هناك من تمييزٍ كبير ضد المرأة على الصّعيد المهني أو الشخصي،.. هذا من ناحية.
من ناحية أخرى، لا أجد سببا وجيها للتَّحسس أو التَّوجس من مُصطلح "النِّسوية"، فاللفظة ربما جديدة على غير الملمِّين بالعمل النسوي، لكن الفعل كان موجودا، فكل تشكيل نضالي يهدف للنهوض بالمرأة يتقاطع و بعض جوانب النِّسوية بمفهومها العام،.. والهدف الجامع هو السّعي نحو مستوى من العدالة..
لا مُبرِّر لتواتر الإساءات للنسويات الموريتانيات، بناء على ظنون بافتراضات مُحتملة، وسيظل الشتم والطعن في العفة والعرض سلوكا نشازا في صدام الأفكار.. فهو وسيلة من تعوزه المُحاججة المنطقية، .. الاختلاف لا يبيح الشر اتجاه الآخر.
فرغم قلة عدد النسويات الجدد وقصر تجربتهن فقد شكلن دفاعا متماسكا ومُلهما عن بعض القضايا خصوصا حالات التعنيف والاغتصاب، وأغلب كتاباتهن في هذا الفضاء ناضجة.
ظهرت النسويات يوم كانت المرأة الغربية كائنا ناقص الأهلية في مجتمعات عانت فيها تمييزا سلبيا، في كندا مثلا اعتبرت قاصرا كالأطفال والهنود الحمر، وكان راتبها يدفع لزوجها، حُرِمت حقّ التعليم، والتصويت،.. وبالنضال انتزعت حقها فيما تقدم وحقها مُؤخرا في الطلاق والاجهاض والتساوي مع الرجل في الحقوق والتربية...والحركة تغطي اليوم بلدان العالم.
النسويات ككل تيارات الصَّنيعة البشرية منهن المعتدل ومنهن المتطرف الشاذ، والمحافظ والممسوخ.. شخصيا لم أكن يوما من المتحمسين للشطحات النضالية الخارجة على المألوف لحركة النسويات،.. لإيماني بأن المستفيد من تجارة الأفكار الغَرِيبة غالبا من صَمَّمَها وليست من صُمِّمَتْ له، وكُلَّما غُصتُ في دخيلة الحقيقة كلما كفرتُ بمصطلحات النسخ واللصق مثل: "الجندرة، التَّمكين، موروث التسلط الذكوري"، والتي يتكشَّف انحيازها الأعرج للنوع والفئة، فتُفقد العمل النضالي النسوي معناه.
على يقين أنَّ أخواتي النسويات الموريتانيات وهُنَّ شابَّات متعلمات ومتنورات يدركن عدم صلاحية بعض الجوانب المناقضة للفطرة في خطاب التيار العالمي، أو المصادمة للدين أو المجتمع السّوي، من انجذاب لجلد الرّوحانيات لحق مفتوح في حُرية المعتقد، في الغيرية الجنسية أو في المثلية، في الكفر بالبنية التقليدية للأسرة...إلخ، هذه الجزئيات تعني الكثير للمرأة الغربية، فهل تعني لنا شيئا ؟، حتما لا.
التيارات النسوية التي هيَّ في الأصل حركة لتعديل ميلان مجتمع غربي ينصهر فيه الملحد واللاَّديني واللاَّأدري والوثني، ترعرعتْ غالبا في حاضنة علمانية تميل في بعض فروعها للاشتراكية وهي في تصادم مع الدين رغم انحساره من عالمهن وانحساره في مجتمعاتهن، وهذه الجزئية أيضا يستحيل علينا تمثلها.
أدرك معكن أن العمل الجمعوي عموما من العطاء النبيل و، ولا أعتبر المنظمات غير الحكومية وكيلا لجهات مشبوهة، كما يراها البعض كذلك، لكن الواقع يقول بتصاعد المقارعة بين "المجتمع المدني" أو هكذا يَنظر لنفسه، وهو خليط من الجمعيات والحركات والمسميات،.. وبين "مجتمع دني" أو هكذا ينظرونَ له، قاصر الوعي، يمثل بقية المنظومة الاجتماعية المتحجرة، التي تسعى تنويعات " نشطاء المدنية" المُقتبسة من نماذج الإصلاح الغربي إلى "تحريرها" من هويتها المُشرعنة لكل ما هو رجعي وقمعي وتعسفي.. والوسيلة لذلك وصاية تأخذ أحيانا طابع التشويه الهجومي، وتتبنى التساهل مع الألفاظ.. والميل لاحتكار أدوية أوجاع المظلوميات وأصواتها.
هناك فرق بين النضال والصِّدام، الأول بالمنهج والعقل وهدفه شريف، والثَّاني بالمزاج والعاطفة وهو مُجابهة بالوكالة عن معتقدات واعتقادات تتدفق اتجاهنا من وراء البحار.
ما أريد الوصول إليه هو قضية ضَجَر احدى النّسويات من التَّربص ثلاثة قروء، بوصفه من التَّمييز غير العادل المُؤسس على النَّوع، ومُقيِّد للحرية الجنسية للمرأة، ويُطيل تعطيلها اجتماعيا.. حذف العدة سيمنح فرصة متكافئة للمطلقين في بدء مشوار جديد منذ لحظة الطلاق!،.. وان ترتَّب حمل عن النشاط الجنسي التالي فالفيصل الإثبات الجيني.
سيدتي، العقيدة ليست بالمزاج حتى تتأرجح بين دين تقليدي مُتجاوز، ودين على المقاس "مُودرن" ومُواكب، العقيدة أقدس من اخضاعها لمواءمة النِّضالات التجميلية والمراجعات الدينية الترفيهية،.. الدين الزام شرعي والتزام عقائدي بالإلزام،
وما ذهبت إليه اختنا لطخة نضالية قاصرة عن فهم المخبوء في الاستنساخ الأعمى لشطحات المتطرفات من النسويات، .. حلقة شاحبة من الخطاب المُصادم الذي لم يعد مستفزا بعد تكرار وهلة الصَّدمة، وبعد أن باتت النخبة المتنورة على هامش كل الهوامش، فقد ولوا وجوههم عن حراسة الثوابت وسط صخب الأمعاء، والتَّلهِّي بالشَّعبوية.
ستظلُّ خسارة الدين هي السقف الأقصى للخُسران بخط عريض، «ألا ذلك هو الخسران المبين»!.
لا استسيغ توزيع التهم الجزافية بالإلحاد، رغم أنه أصبح دينا مُستقطِبا ذكيًّا وهويَّة نشطة، ويعيش مُواجهة وجودية جدية مع الإسلام،.. وقطا لا يفوت على نخبة النسويات أنه يعتاش هنا على النبش في التناقض بين الإيمان والمنطق، وبتغليب العلم على الإيمان، وبأننا مسرح تجريبي لكل المهازل من التزهيد في العقيدة، لمراجعات الإرث، للتَّعجل في العدّة.
أثبت مسار تشكل البويضة ovogenèse أنَّ خلقها يتطلب ثلاثة قُروء بدل قُرء واحد كما كان مُتَصورا، وأن الرحم يستغرق ثلاثة أشهر حتى يَنسى الشفرة الوراثية لآخر مَنيّ لامسه،.. أي نزول ثلاث بويضات مُتتالية، ، ولو حصل حمل في الأثناء من رجل آخر سيحمل الجنين الشفرة الوراثية لرجلين، وهنا ستختلط النطف ويشتبه النسب،.. وأثبت العلم أن نزول البويضة الرابعة التي تنزل في الشهر الرابع خارج زمن عصمة المطلق تكون نظيفة في شفراته الوراثية، فتثبت استبراء الرحم.. سيدتي إنَّ الله قد أراك آياته في نفسِك، فهل تَبيَّن لك أنَّه الحق،... فمن شَرَّع لنا هو من خَلَقَنا، وهو أعلم بخلقه، والحق حقّ ولو نَزعت الصَّرعات المستنسخة أظافره.
لا أرى من دافع لهذا الطرح إلا ربما ممارسة «خالف تُذكر»، ولا أتوقعه متناغما مع رُؤى النسويات،.. العقيدة ليست منتوجا محدود الصلاحية.
حضرتُ مرة مع أخي وصديقي عالم الاجتماع محمد ولد احميادة، رحمه الله، ندوة دولية هيمنت عليها نسويَّات مُتطرفات، يقذفن بحمم الحدة والتَّبرُّم، أغلبهن "تمركاتن" نلنَ نصيبا لافتًا من الدمامة وطاقة من التعصب للاشيء، ناقمات على الحياة الاجتماعية الفطرية: الحب الزواج الأمومة، الأسرة.. فهذه المصطلحات تعني لهن تكريس الدونية والخنوع!، افروغ الشغل، الذي سيقود الى الطلاق والخيانة والعنف وقتل العمر في التربية والعبودية للرجل، .. والحل في الاستقلالية عن وجع الرأس، فقال لي: «تأكَّد لي بعد طول مَعرفة أن هاذُ الصَّيداتْ عدوَّات لما حُرمنَ منه».
هاجس أن الدين قامع للمرأة هاجس غربي، ... بنت المرأة مجدها هنا في ظل حمايةِ ثنائية "الدين ولمروَّه"، وفي هذه الربوع شبه الماترياركية الرجل أقرب لوضع المقموع.
أتمنى على ماجداتنا النسويات أن تكون أسلحة نضالهن من الصناعة المحلية حتى لا تغدر بنا وبهن، وألاَّ يُكنَّ تعبيرا عن وعي فرعي نشاز، يُغتاب فيه الدين أويُغيَّب.. فما ذلك من أغراض النضال.
أنتن مؤهلات للرَّيادة وأهل لها.
......
كل تعليق غير لائق سأحذفه من باب إماطة الأذى عن الطريق