الدهماء ريم
......ا
مازالت هذه اللفظة السحرية فوق العادة وكاملة السُّلطة على المزاج في هذه الأرض.. فهي أقدس تفصيل في معيشتنا.
الشاي من طقوس العظمة، في كل خطوة من خطواته التصاق جمالي بشيء مَّا في الرُّوح، أو في حصَّالة الذاكرة أو في مسارٍ ذهني وجداني مُعيَّن عشناه أو حَضرناه،..
خالگ إعلامي كبير، هو أنْصَرْ وأجْذَبْ صحفي حملته غبراء هذا الوطن، جَمَعتْهُ فترة عمل مع سيدة كانت مرؤوسَة من طرف ابن عمٍّ لها يكبرها سنًّا، غَربيّ العقلية والميول ومبرمج آليًّا على العمل،.. ابن العمِّ هذا ألاَّ انْهارْ يِنْزِلْ للإعلامي المجذوب وعَشْرَه اطيرْلو،.. يومُ نازلُّو يُثني عليه لابنة عمه قائلا بصوت يكاد يكون مُلَحَّنًا: هل تعرفين أنَّ مديرك المتميّز سليل قوم عظماء، هم أول من أدخل تفاصيل جذابة إلى حياتنا: منها أكسير اليقظة المقدَّس الشاي، والخيط والكماليات.. حيَّاهم الله، حيَّاهم الله.
وانْهارو جايو الجذب وطايِرْ لُو المدير ، يُسارع إلى مكتب السيدة: يا أنتِ هل تعرفين أن مديرك السَّافل ابن قوم سفهاء، هم أول من استقْدم لنا الويلات والتّرهات، وجعلونا نُدمن على المؤثر العقلي البغيض الوسخ الشاي، ليتربَّحوا على حساب أعصابنا.. ألا قاتل الله السَّفلة، أجداد السافل.. وكانت السيدة تؤمِّن في الحالتين،.. على الدُّعاء وعلى الدَّعْيه.
الشاي شعبيٌّ ومَلَكيٌّ في ذات المتعة.. ولا يُؤثر في العقل فحسب، بل يؤثر في قيمة كل الأشياء من حوله فيرفعها: لمَّاعينْ، لبْخور، اجماعه، الهُولْ، المُحادثة، الأنس، الترحيب، الضيافة، الطعام ... لحظاته فارقة، تفاصيله أنيقة متناغمة،.. صورة مُريحة أن تعلو السُّلافة وتهبط في الكأس، تفرز من روحها الذهبية، تعزف خريرها، تراكم زبدها الطاغي، تخلق جوا من الدفء، من الحنين، من الانجذاب.
مهما تَغيَّرت الأفضليات أو رُوجِعت الأولويات سيبقى أتايْ على رأسها ابْلا اجْميل، فهو حشد من الأحاسيس في مشروب اجتماعي، وجامع لنا.
عَرف استيراد الشاي اتجاها عبثيا متصاعدا، مع ظهور طبقة من المتحمِّسين للتحصيل الفوري، مَزَجَت الجهل المعرفي بالتخلف السلوكي، فأدخلت سوق الغذاء والدَّواء في حالة من الفوضى، وتُعرف مهنتهم اصطلاحا بالسَّمسرة التجارية السريعة «التّيفي»،.. شخصيا "اسْتَخْسِر" فيهم تسمية تُجار،.. ليسوا تجَّارا، فالتجارة فنٌّ نبيل وعريق له أصوله وضوابطه، ومنها الاستقامة والصّبر والالتزام الأخلاقي اتجاه البضاعة ومستهلكها..