حمداً ولد التاه هو فقيه ظريف وخفيف الهوى ومتواضِع. وهذه الصفات الثلاثة أصبحت نادِرة في فقهاء اليوم. وقد ألّف نظماً في الثقلاء. وهذا النظم هو سخرية لاذِعة في جيل جديد من حمقى المدانة وثقلائها. ومشروعُه يُشبِه مشروع الجاحِظ وابن الجوزي (على شساعة الفروق ما بينهما) في التعرّف على أنماط جديدة من التصرّف في ظلّ المدانة. إلاّ أنّ الثقلاء الذين تعرّف عليهم حمداً كانوا ثقلاء الثمانينيات، الذين سُمّوا، من بين أشياء أخرى، بـ"تكوسو" و"صوفاج" (والأخير مصطلح استعماري واستشراقي)، والذين اجتاحوا بيوتات العائلات المدنية في فترة الجفاف الكبير وقاموا بترييف المدينة وكانوا جراداً وآفة على التنظيم المنزلي بإسرافِهم وهدرِهم للطاقة وقذارتِهم وصلفِهم وعدم امتنانِهم.
وأعتقِد أنّه آن الأوان الآن لكتابة كتاب جديد عن الثقلاء المُعاصِرين، وبالأخصِّ ثقلاء الفضاء الاجتماعي. ولا شكّ أن هنا مادة خصبة. فيحدث أن تلتقي بإنسان من قبائل الهيماكو في جزيرة من الواق واق وتتبادل معه هماً ثمّ صداقة فيسبوكيّة. ويحدث أن تعجب بمنشور له. وفي الصباح إذا بعشرة موريتانيين جالسين في مجلِسه. وثمّة حتّى من يتحرّش جنسياً ببعض الفتيات الأجنبيات لأنه اشتبه في صداقة المعني بهن أو أنّه، وقد ظنّ الأمر يتعلّق بصيد، قد استسهلنّ وظنّ بنفسِه، أو فوتوشوبه، خيراً. أما إذا كان الصديق المعني، الذي تكرّم بمصادقة هؤلاء الثقلاء، صاحب فِكرٍ مختلِف، وحدث أنّهم يعرِفون لغته، فالويل لأمِّه. وهو دائماً ما ينصدِم من الحِدّة والشخصنة التي يردُّ بها عليه هؤلاء الثقلاء. وقد اتصل بي صديق من هذا النوع متسائلاً عن الكارِثة التي أحللتُ به بأصدِقائي المشترَكين.
هؤلاء كراكر. وبعضُهم أحياناً يقرعٌ عليك هاتِفاً في منتصف الليل ليسأل عن حالِك. والضحكات. أوه على الضحكات! هذه الضحكات المجلجِلة والمغرغرة كأنّها تمساح يجترّْ، والتي لا مُناسبة لها. وهنالك استخدام مفرط في الإيموجي. آلاف الأوجه الصفراء الدامِعة مباشرة بعد تبادل السلام. ثمّ إن التواصل الاجتماعي لا يُتيح التعرّف من الوهلة الأولى على المجانين. وكان ربع هذا البلد مجنوناً قبل سنوات. ولا شكّ أنّ هذه النسبة زادت بفعل العوامل البيئية والغذائية ونِسب البطالة وانهيار التعليم والتعاضدات الاجتماعية القديمة.