الناصرة-“رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
غيّب الموت صباح اليوم السبت الفنانّة الفلسطينيّة المُلتزمة، ريم بنا، بعد صراعٍ طويل مع المرض. وبنا مطربة وملحنة فلسطينية عُرفت بأغانيها ذات الطابع الوطني، وبمشاركاتها في الاحتفالات الداعمة لحقوق الإنسان.
ولدت في مدينة الناصرة عام 1966، وتخرجت في المعهد العالي للموسيقى في موسكو، واحترفت بعده الغناء، والدتها هي زهيرة صباغ، الشاعرة المعروفة ورائدة الحركة النسوية في فلسطين.
اشتهرت ريم بأغانيها الوطنية التي حاولت فيها تقديم التراث الفلسطيني إلى العالم، كما عرفت بمساهمتها الكبيرة في الحفاظ على عدد كبير من الأغاني التراثية الفلسطينية، ولاسيما أغاني الأطفال. أصيبت ريم بعدة أمراض خطيرة أثرت على مسيرتها المهنية، وأجبرتها في نهاية المطاف على التوقف عن الغناء.
كانت ريم محبة للغناء منذ حداثة سنها، فكانت تحرص دائمًا على المشاركة في المهرجانات والمناسبات الوطنية التي كانت تقام في مسقط رأسها، بالإضافة طبعًا إلى المشاركة في الاحتفالات التي كانت تقام في المدرسة المعمدانية حيث تلقت تعليمها.
ازداد شغف ريم بالموسيقى مع مرور السنوات، وعندما تخرجت من المدرسة الثانوية، قررت احتراف الغناء فسافرت إلى موسكو للدراسة في المعهد العالي للموسيقى. وفي عام 1991، تخرجت ريم في المعهد بعد أن قضت نحو 6 سنوات من الدراسة الأكاديمية.
تميزت أغاني ريم بنا بطابع خاص، إذ عملت على تقديم الأغاني الفلسطينية التراثية بموسيقى عصرية، فحظيت باهتمام الجمهور منذ بداياتها. كانت ريم تستقي كلمات أغانيها من التراث الفلسطيني وثقافته، وكانت حريصة على التعبير عن أفكار الشعب الفلسطيني وتطلعاته وهواجسه، ونقلها إلى جميع أرجاء العالم
أطلقت ريم ألبومها الغنائي الأول “جفرا” في عام 1985، وقد اختارت اسمه تيمنًا بالأغنية التراثية الفلسطينية جفرا. وفي عام 1986، أطلقت ألبومها الغنائي الثاني بعنوان “دموعك يا أمي”.
تابعت ريم مشوارها الفني خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي، وسعت في تلك الفترة إلى إحياء الأغاني الفلسطينية القديمة، ولاسيما أغاني الأطفال، فسجلت نسخ جديدة من تلك الأغاني، فساهمت بذلك مساهمة جليلة في إحياء التراث الفلسطيني والحفاظ عليه بعدما أضحى طي النسيان.
وقد حرصت ريم على المشاركة في مهرجانات الأطفال وتأدية تلك الأغاني أمامهم، مما أدى إلى انتشارها بصورة واسعة في أوساطهم. في عام 1993، أطلقت ريم ألبومًا ثالثًا حمل عنوان “الحلم”، وبعدها أطلقت ألبومين غنائيين للأطفال هما: “قمر أبو ليلة” عام 1995، و”مكاغاة” عام 1996.
بعدها عادت ريم مجددًا إلى خط الغناء الوطني الملتزم، فأصدرت ألبومًا وطنيًا اسمه “وحدها بتبقى القدس” عام 2001. ذاع صيت ريم بنا في البلدان الأوروبية بعدما شاركت في ألبوم غنائي اسمه “تهويدات من محور الشر Lullabies from the Axis of Evil” إلى جانب المغنية كاري بريمنس Kari Bremnes، إذ سافرت ريم إلى النرويج كي تقدم حفلة فنية مشتركة معها.
تضمنت فكرة هذا الألبوم وجود مغنيات من بلدان محور الشر- مصطلح أطلقته إدارة الرئيس بوش على عدد من البلدان المناهضة للسياسات الأمريكية- تغنين تهويدات من ثقافة بلادهن. وهكذا كان هذا الألبوم أشبه برسالة موسيقية رافضة للحرب، ومعارضة لسياسات الرئيس الأمريكي جورج بوش.
تابعت ريم تقديم الأغاني الوطنية، فأطلقت ألبوم “مرايا الروح” الذي أهدته إلى الأسرى الفلسطينيين والعرب في السجون الإسرائيلية. تميز هذا الألبوم عن سابقيه بموسيقى أغانيه التي مزجت بين نمط البوب وبين الأسلوب الشرقي، فكان مختلفًا عما قدمته ريم سابقًا.
لم تكتف ريم بالغناء في المهرجانات المقامة داخل فلسطين، بل أقامت عدة حفلات غنائية في بلدان عربية مختلفة مثل سوريا وتونس ولبنان. وبالتزامن مع ذلك، أطلقت ألبومين جديدين هما: “صرخة من القدس″ عام 2010، و”أوبريت بكرا” عام 2012.
عانت ريم من مشاكل صحية كثيرة أثرت على مسيرتها الفنية تأثيرًا كبيرًا، فقد أصيب بسرطان الثدي للمرة الأولى عام 2009، وبعدها بستة أعوام أصيبت به مرة ثانية. كذلك، أصيبت بشلل في الوتر الصوتي الأيسر، مما اضطرها إلى التوقف عن الغناء.
تزوجت ريم من الأوكراني ليونيد أليكسيانكو، وهو زميلها السابق في المعهد العالي للموسيقى، وقد عمل الزوجان معًا في تأليف الأغاني وتلحينها، ورزقا خلال زواجهما بثلاثة أطفال، بيد أن علاقتهما قد تدهورت لينتهي الأمر بانفصالهما، وبعد الطلاق، عادت ريم للعيش في الناصرة مع أولادها.
وسيُسجى جثمانها الطاهر في قاعة كنيسة الروم الأرثوذكس في الناصرة، ابتداءً من الساعة الثانية من ظهر اليوم السبت 24/3/2018، ومن ثمّ سيُشيع جثمانها إلى مثواه الأخير الساعة الرابعة مساءً من ساحة العين إلى مقبرة اللاتين.