
أو يمكن للمكان أن يغدو حالة فكرية وعالما شعوريا نابضا، إن لم يكن كذلك، فلم يكون له كل هذا الأسر وكل ذلك الحضور في أدبنا الشعبي حتى ليلتبس عليك بين أن يكون حيزا مكانيا معلوما، أو أن يكون فضاء أثيرا، وحلما أسمى:
هكذا خطر لي وأنا أستذكر هذا النص:
مَـنْـــدَرْتِي يَـكَـــــانْ الْـمَــلْـعُــوگْ @@ اصْوَيْـگْ الـتَّـــيْـــدُومْ إِلْ مَحْـرُوگْ
إِلِّي فَــوْگْ الـطَّـــوْگْ إِلِّي فَــوْگْ @@ اكْـــــــرَاعْ ابْـلِــمْـــعَــــارِظْ تَـــــلُّـو
كَانْ الْفَـوْ گْ اعْلَ رَاصْ الطَّوْگْ @@ يَـــكَـــانُـــــو مَـــــزَالْ افْـــبَــــــلُّـو؟
ما هذه المساءلة الملحة؟ وما هذه المكانة التي بوأ الشاعر للجذع المحترق وهو يستعيد ذكرى المكان بكل تفاصيله وجزئياته؟
كيف أراد أن يسمو بهذا الجذع المحترق عن عالمه الأرضي، ويحفظه من عوادي الزمن، مع أن الزمن قد أبلغ الجرح فيه وأثخن؟
مساءلة تستوقف حقا: جذع دوم محترق يقع على أعلى مرتفع، والأرض صحراء مترامية الأطراف، تمسحها الرياح الهوج شرقا وغربا، ومع هذا يريد الشاعر أنْ يُبقي على هذا الجذع لـيظل قائما متماسكا وقد مسته يد الحدثان ؟
إنه المكان عالم الشاعر الخرافي الذي شيد في ذاكرته، وتخيله كونا أزليا خالدا وأراد له أن يظل نائيا عن عوادي الزمن.
وهنا يتجلى قلق الإنسان الأبدي من هاجس الاندثار، فحدوث أمر للجذع، همٌّ كبير يزرع في قلب الشاعر الإحساس بالسكون والتخوف من الموت، ولعله يظل يرى نفسه بخير ما دامت أشياؤه الأثيرة قائمة، أما إذا بدأت تتداعى فإنه يحس في ذلك بداية النهاية.
----------