يقول الفيلسوف الروسي
فيودور ميخايلوفيتش دوستويفسكي :
"ماذا لو كان العنكبوت الذي قَتلتَه في غرفتكَ يظنّ طوال حياته أنكَ رفيقه في السكن ؟ "
تختصِر هذه المَقولة فِكرة التعايش ، و فكرة الجِوار، و فكرة تقاسم المُحيط، ... و هي أفكار غاية في العقلانية فهل توجد في الواقع الفِعلي المَعِيش ؟
و هل يُعْتَبَر الإنسان الوصِي مسؤولا عن الحفاظ على محيطه لأن المِلكية ليست بالشكل الفَجِّ الذي يتصوَّوه، و كذلك الحرية و القوة ؟
و هل يعلم كم مرَّ من المُلاكِ على نفس المكان عبر العصور الغابرة؟
و هو أمر في طريقة للاستمرار و بشكل دائم.
اعتبر كثير من المفكرين أن الحياة وَديعة و عُهدة وصلت إلينا بشكلها الحالي و أن علينا تسليمها بشكلها الأصلي دون إحداث تغييرات تُخِل بنظامها و طبيعتها، لأننا مجرد ضيوف عابرين عند محطة قطار سريع، لا يعرِف التوقف بل يرمِي الركاب ليكون ذلك آخر عهده بهم.
غريزة التّملُّك و رفض المشاركة من الغرائز الصِّدامية المُتأصِّلة في سُكان هذا الكوكب الكبير الواسع، فهل مصدرها الخوف؟
أم أن مصدرها تأمين الحياة؟
أم تأمين المستقبل؟
أم هي بدافع القوة و الحجم و استصغار الآخر بسبب ضعفه و حجمه؟
اهتمت الشرائع و القوانين بالجوار و المُحيط ، لكن ذلك الاهتمام يختلف باختلاف المشرفين على تطبيقه ، و باختلاف النظرة و التفسير و الفهم و العوامل المُحيطة و التغيرات المُتلاحقة، فكم من حروب نشبت بين الإنسان و الإنسان بسبب الأطماع و حب السيطرة و التّحكم، و الغريب أن تلك الحروب تزداد فتكا يوما بعد يوم، و تزداد حدة كلما تصور الإنسان أنه أحكَمَ السيطرة على الكوكب ، فأين ستكون المخلوقات الضعيفة و الكبيرة ما دام هذا حال الإنسان مع أخيه الإنسان ، مع جاره و ابن جلدته.
ستعيدنا مقولة الفيلسوف "فيودور ميخايلوفيتش دوستويفسكي" إلى منظومة الأخلاق فهي وحدها القادرة على تحجيم نجاحات الأطماع ، و انفلات القوة ،و توجيه بوصلة الحياة نحو مسارها الصحيح،
فهل الأخلاق في مسرح سيطرة المادة اليوم قادرة على مجابهتها و صَدِّها ؟
أم أن منظومة الأخلاق نفسها تعرضت للهجوم و الطّمس و التبديل، و حتى التشويه و لو بأمور مغلوطة ؟
هناك مفاهيم أخلاقية لا تحتاج لغةً و لا حروفا و لا نطقا و لا كتابةً و لا تخُصُّ لونا من الألوان و لا شكلا من الأشكال و لا جهةً ، فهي مفهومة بشكلها و حركاتها، و منها العطف و الرحمة و الرعاية و الحنان و المساعدة و الرأفة و المعونة ...
و هي باقية حتى لو تَجاهلها اهتمامُ مَن يملك وسائل النشر و التسجيل و التصوير، و حتى لو تم إدراجها في سجلات التخوين و التَّخويف و التخلف و مُعاداة الأوطان و الأعراق.