للمكان سطوة ما في عرفي.. علاقتي بالمكان مضطربة وجدلية وغاية في التعقيد والتعرج، فمنذ طفولتي عرفت أمكنة كثيرة، وكانت طفولتي موزعة بين جغرافيات اجتماعية ولغوية وأنتربولوجية شتى، إذ توزعتني عدة لغات ونكهات وشوارع وألوان موسيقية، مما كان له الأثر الكبير في تشكيل موزاييك ذائقتي اللغوية والموسيقية والغسترونومية!
صحيح أن الأمكنة نسكنها قبل أن تسكننا غالبا، ولكن هناك أمكنة ما في لحظة من اللحظات تشعر بمغناطيسها يجذب روحك قبل أن تسافر إليها، وربما حين تسافر إليها تشعر أنها تنتمي إليك وتربطك بها علاقة غامضة تشبه علاقة حركة المد والجزر البحريين بجاذبية القمر.
غالبا تنتابني نوستالجيا عارمة لرائحة الأمكنة - أكثر من البشر- وتوابلها وأشيائها الرمادية في الذاكرة مهما كانت صاخبة الألوان، وأتساءل: لماذ تبدو الأشياء منزوعة اللون في الذكريات وفي أحلام النوم؟
كأن للمكان مغناطيسا لامرئيا يجذب الروح ويتحاور معها في صمت مبهم بإشارات كيميائية عن طريق الحرارة والرائحة والإحساس الغامض بالانتماء..
غير أني ما زلت أكرر: ما الحد الفاصل واقعيا بين الزمن والمكان، وهل هناك زمن فعلا خارج الوعي الإنساني. هذا السؤال الذي طرحته بداية السنة الماضية أفتتح به هذه السنة الجديدة على أمل أن لا يظل معلقا!
2019.. سنة جديدة مليئة بما تشتهون!