إريك آرثر بلير
هو الاسم الحقيقي لجورج أورويل وهو الإسم المستعار له والذي اشتهر به ، هو صحافي وروائي بريطاني، عمله كان يشتهر بالوضوح والذكاء والطرافة والتحذير من غياب العدالة الاجتماعية ومعارضة الحكم الشمولي وإيمانه بالاشتراكية الديمقراطية
الوفاة: 21 يناير 1950
من أقواله المشهورة :
" الشعبُ الذي يَنتخِبُ الفاسدين و الانتِهازيين و المُحتالِين و الناهِبين و الخونة، لا يُعتَبَرُ ضحيةً بل شريكا في الجريمة"
الشعب
هذه الكلمة مثلثة الحروف و الصغيرة تضم تحت يافطتها أمما و ثقافات و مجابات كبرى داخل عالَم الإنسان المُعقَّدِ و الفسيح.
من هو الشعب المقصود؟
أيعني الدهماء ، العامة بصفاتها و ألوانها و تراكمات ثقافاتها و أحكامها و تراثها السابق و البعيد و الضغوط الحالية.
هل وصلت الشعوب إلى درجة أن تكون مخاطبة، أو مسؤولةً عن أفعالها و اختياراتها؟
هل تم تأسيس أرضية لبناء الإنسان الذي يُمكنه أن يختار؟
هل تمت تهيئة الفرد لكي يُصبح قادرا على فهم مكانه الحالي، و بناء تصور مُستقبلي؟
هل يفهم الفرد الحالي ببساطته تعقيدات المشهد السياسي الداخلي و الخارجي؟
هل يملك الفرد الحرية خارج الضغوط الاقتصادية و الدينية و العِرقية ؟
هل يَستطيع الفرد تمييز الصواب وسط هالة الترغيب و التخويف و ماكينات صناعة الرأي؟
حين نتحدث عن الشعوب بعيدا عن القراءة الاقتصادية و السياسية و البنية التعليمية و المجال الثقافي و المحيط الجغرافي، فنحن نظلم الشعوب لأننا نطلب من محركِ ديزل قديم و بدون صيانة ، مجاراة محرك جديد يفوقه قدرة مرات ، و يمتاز بصيانة رائعة و رقابة ذاتية،و يَملك بدائل و حلول في حال التعثر، أو التعرض لاحتكاكات خارجية.
الديمقراطية نفسها التي تمنح حق انتخاب القادة تمّ تكييفها مع مُعطيات محلية، و تم تحوير أجزاء كبيرة من عناصرها و هياكلها، و تغيرت ظروف تطبيقها مرات و مرات.
فمن الشعب الذي يختار؟
و ما هي الديمقراطية المُطبقة؟
و ما هي تبعات اختيار الفرد ؟
و ما الضمان الفعلي إذا اختار أو حاول ذلك فعلا؟
بالعودة إلى مقولة الكاتب جورج أورويل ، و ذكره للشعوب، فمن الضروري تعريف تلك الشعوب تعريفا وصفيا، فالشعوب التي تملك الحق في اختيار قادتها، و هي بذلك الاختيار لا تُخاطر بحياة الأفراد و لا بضياع أملاكهم، و لا تُعرضهم لضغوط مادية أو نفسية أو دينية، هذه الشعوب حين تختار الفاسدين بعد اتضاح الرؤية و معرفة الحقيقة، فإنها تتحمل جزءًا من المشكلة، و ربما تعتبَر مُشاركةً في المشهد و الفساد بشكله العام.
أما الشعوب المسكينة و المغيبة وراء لقمة الخبز المستحيلة، و وراء المواطنة حتى بتقسيط الوثائق،و وراء التدخل في اختيار شركائها، و هي محدودة الحق في التّملُّكِ، يسومها التخويف و الترهيب سوءا صباح مساء،و يتِم توجيهها بكلاب و ذئاب هنا و هناك كقطيع أغنام كل مرة، و يتم التنكيل الفظيع بالشجعان الذين يرفضون الطاعة العمياء ، ليكونوا عبرة لغيرهم.
هذه الشعوب حين يُفتح لها اختيار تكون ورقته غالبا بلون واحد ، و بدون حروف، فهذا هو اختيارك ، لقد اخترنا لك طريقة اختيار سهلة و آمنة، و هي أن تختارنا، فذلك يضمن الأمنَ و السلامةَ، و يُحافظُ على الوطن، أي عليك و على عيالك و وظيفتك و ثروتك، فالشعوب هنا لا تختار الحاكمين و لا تملك ذلك، و نحن بمقولة الكاتب نُعمِّقُ جراحها، و نزيدها ذلا و هوانا، و كأننا السندان تحت مطرقة المتنفذين.
هناك شعوب وصلت إلى الحرية في اختيار الحاكمين، و بدون مخاوف لا فردية و لا جماعية، لكن هذه الشعوب آمنت باختيارها لنفسها فقط ، إنها كالجار الغني صاحب الموائد، الذي لا يعنيه ضعف جاره و لا جوعه الدائم،
فهل هذه الشعوب انتخبت خونة و فاسدين و انتهازيين؟
إذا لم يكن ذلك على حساب شعوبهم، فهو على حساب شعوب أضعف و أكثر حاجة ،و الشعوب التي اختارتهم تُشاهد ذلك عبر وسائل الإعلام،
لماذا تقبل تلك الشعوب الواعية من مُنتخَبيها أن يستقبلوا فاسدين، و مجرمي حروب في قصور شُيِّدت من أموال الشعب؟
الفساد صوَّره كثيرة و هي مُتعدِّية ، لكن الشعوب المتفوِّقة لا يهمها إلا ما يؤثر عليها بصفة خاصة، و كأن الجانب الخارجي متروك لنزوات و أغراض الحكام، و محيط المستفيدين الضيق، ذلك المحيط المتشكل من بعض المثقفين و رجال الإعلام و الدين و المشاهير.
إن الشعوب التي تنتخب مُختارةً الفاسدين داخليا و خارجيا، و الانتهازيين داخليا و خارجيا، و المُحتالين عليها و على غيرها، و الناهبين لثروتها وثروات الشعوب النائمة، و خونة المبادئ في الداخل و الخارج،ظالمةٌ لنفسها و للعالَم.
إن هذه الشعوب شريكة في الجريمة فعلا، و بإعادة انتخابهم فإن ذلك سبق إصرار و ترصُّد، و بهذا تكتمِلُ أركان جريمة شعبٍ و ثقافة و مَنهَجِ و اعتداء.
و الأسئلة المطروحة:
متى تتم محاكمة هذه الشعوب؟
و أين يمكن أن يحدث ذلك؟
و وفق أي معيار ستتم المحكمة؟
و من هو القاضي العادل؟
نترك تلك الأسئلة مرحليا للضمير الحيِّ ، للإنسان النقي، لجوهر كينونة القِيَّمِ ، للمفكرين و العقلاء،
لعلهم حين يستيقظون بعد سباتِ طويل، يُدركون حجم الكارثة، و يَتداركون خيطا رقيقا من خيوط العدل ينبض بالحياة.