شارلز جون هوفام ديكنز
ولد 7 فبراير 1812
الوفاة 9 يونيو 1870
هو روائي إنجليزي، يُعدّ بإجماع النُّقّاد أعظم الروائيين الإنكليز في العصر الفكتوري، ولا يزال كثيرٌ من أعماله يحتفظ بشعبيّته حتى اليوم، تميَّز أسلوبه بالدُّعابة البارعة والسخرية اللاذعة.
من أقواله:
"أكثر شيء مُحزنٍ هو أن تَشعرَ
بالخِزيِ من وطنكَ"
الوطن هو أنشودة الأناشيد ، و لوحة الخلود ، و مصدر الرحة، و حضن الأمن، و بريق الأمل، هو مراتع الصبا، و مسارح الشباب، و بيت الشيخوخة.
الوطن ذلك الصوت الجميل العذب الذي يداعب المسامع حيث كانت فله جرس خاص و اتصال مباشر.
ليس الوطن بقعة أرض ولدت بها فقط ، فقد تولد خارج حدوده، و في أرض بعيدة، الوطن جزء من البناء الجيني المتوارث في العائلات، و بذلك تكون العلاقة بالأرض علاقة قرابة و رحم ، علاقة تكامل و تعاضد.
كثيرون أولئك الذين حرمتهم بعض الظروف و الحروب من العودة إلى ديارهم و مرابعهم، و من يقرأ أدبهم يجد في أصواتهم بحّةَ النحيب ، و في عيونهم حسرة الألم ، و في كلماتهم نشيج البعد، إنهم يحيون في سجون و إن كانوا يملكون الثروة و المكانة، فهم قادرون على بيع كل ذلك مقابل جلسة واحدة في مكان ألفوهُ و تركوا فيه جزءا كبيرا من عبق حياتهم و أيامهم الجميلة.
هذا الحزن موجود في الأدب عبر عصوره الطويلة، و هو جانب محزن ما تزال عدواه تنتقل من بين كلمات عُمرُها يزيد على ألف سنة، هذه الكلمات حملت شحنة معتقةً من الحزن و الفقد و الغربة، ربما تكفي ليأخذ منها العالم نصيبَه حتى آخر أيامه .
فكيف يُمكن تفسير ذلك علميا ؟
و كيف تظل هذه الشحنة بكامل قدرتها و قوتها و تأثيرها، حتى بعد الترجمة إلى لغات أخرى؟
و ما سر هذه العلاقة بالوطن؟
و كيف يتم التأثير على أولئك الذين
لم يجدوا في أوطانهم سوى التعاسة ؟
العلاقة بالوطن مرتبطة بالمشاعر ، و المشاعر عالمها معقَّدٌ و مجهول ، فنحن نحس بعض تأثيراتها دون أن نُدرك حقيقتها الفعلية و لا أبعادها.
يعتقد بعض الفلاسفة أن افضلية الوطن على غيره ساذجة و سخيفة، و أن سببها الحقيقي هو أننا ولدنا هناك، و هذا لا يكفي وحده عندهم لتكون البقعة الأرضية أحسن من غيرها، إن هذه المجموعة تتجاهل عن قصد أو غير قصد نوع العلاقات و اختلاف النظر و الرؤية، و أن مجال الجمال و أوصافه مختلف أيضا.
فلماذا كان مولدي في هذه الأرض دون غيرها؟
أكان ذلك أمرا عارضا؟
من الطبيعي أن تكون هناك خصائص و مورثات و علاقات مجهولة بين المولود و التربة، و قد يتم اكتشاف أجزاء من تلك الحقيقة لاحقا.
يقول الكاتب : "إن أكثر شيءٍ مُحزن هو أن تشعر بالخِزيِ من وطنك"
فكيف يشعر الإنسان بالخزي من وطنه و مأواه و أهله؟
في العالم القديم كانت الفضائح الكبيرة لا تتجاوز أحياء مجاورة، و بعد ذلك تذوب في أحداث أخرى و تختفي وراء مُتغيرات الأيام و الليالي، و هكذا يتِم طَيُّ صفحاتها إلى الأبد، لكن في عالمنا اليوم بثورته الإعلامية الهائلة، و القدرة على التدوين و التصوير و التسجيل الصوتي و المرئي ، بهذه القدرات الكبيرة أصبح هناك سجل قائم، للأفراد و الجماعات و الدول و المؤسسات، و هذا السجل يتم نشره و بثه بصفة دائمة و في جميع جوانب هذا الكوكب الكبير، و أي فضيحة أخلاقية ، فضيحة وطن ستسبق أصحابها حيث حلوا و أين نزلوا.
من هذا المنطلق فالبلدان التي تُمارس فيها العنصرية بالقانون، و يتم بث ذلك على شاشاتها باعتزاز و فخر، هذه البلاد تجعل المنتمين إليها عراة، حين يسافرون، تلاحقهم أسئلة الإعلام و الشارع و الناس و الحضارة، فهم مطاردون، ليس بسبب تصرفاتهم الفردية، بل بسبب تصرفات الحاكمين و النخبة السياسية و الثقافية، و العنصرية و جرائم الإبادة ، و الغدر بالشركاء و اختلالات الأمن و الظروف،
هذه الموبقات الكبيرة تجعل أفرادا يجدون في الهرب من انتمائهم راحة، و لكنه هرب خارجي سطحي، و هم يُدركون حجم الكارثة في كوامن نفوسهم، و كذلك جرائم الفساد ، و العادات المتخلفة، كإهداء عروس إلى النهر لتغرق، و تقديم قرابين للآلهة، و غير ذلك كثير و منتشِر.
هناك أسئلة معروفة و متواترة:
من أين أنتَ ؟ و حين تنطق تلك الكلمة التي تبلغ حد الانفجار في فمكَ تلاحظ أن الجزء الذي وصل السامِعَ صغير ٌ جدا ، بحيث أنه يَطلُب تكرارَ الكلمة مرة أخرى، فتنطقها هذه المرة باتزان و ترتيل، و لكنها تشبه الأولى فقد سمعها و هي لا تُشكل شيئا في مخيلته و لا ذاكرته، عندها تلوذ بالهرب إلى البحث عن وثائق لتعريف وطنكَ، تبحث عن أدباء و مهندسين و أطباء و مفكرين و علماء و مطربين و رجال سياسية، تبحث عن أعمالهم التي كانت للبشرية جمعاء، و كان لها مكان في الذاكرة الجمعية العالمية، و حين لا تجد ذلك فوطنكَ لا يَملكُ وثائق، وطنٌ مجهول على كل المستويات الهامة في عالم المال و الثقافة و السياسة ، و الإنسانية و الابتكار، و الصناعة ، و حتى وثائق الأطباق الشهية.
بين فقدان الوثائق و الحرج الذي تخلِّفه و بين الفضائح الكبيرة المتعلقة بالوطن علاقة وثيقة قد تدفع البعض إلى الشعور بعدم القدرة على التصريح بوطنه الأصلي، و لا أقول كلمة الخزي أو العار فهما ثقيلتان في حق الوطن، و ربما تشكلان نوعا من العقوق، فالوطن لم يقم بذلك، بل هي أمور من أفعال العابرين عبر الزمن، و سيتم غسلها لاحقا مهما بقيت تُلَوِّث ذلك الجبين الوضَّاء.