مارك توين
واسمه الحقيقي "صمويل لانغهورن كليمنس" هو كاتب أمريكي ساخر عرف برواياته مغامرات هكلبيري فين التي وصفت بأنها "الرواية الأمريكية العظيمة" ومغامرات توم سوير.
الوفاة: 21 أبريل 1910
من مقولاته المَشهورة:
"ناس يحصلون على التعليم بدون الذهاب إلى الجامعة، أما بقية الناس فيحصلون عليه بعد أن يتخرجوا من الجامعة"
تُعالج هذه المقولة إشكالية استهلكت الكثير من الحِبر و الوقت، فهل التعليم النظامي يُقدِّم معرفة حقيقية؟ و هل المعرفة محصورة في طرقه فقط؟
و هل يمكن الحصول على المعرفة خارج أسوار التعليم النظامي المُعدِّ مُسبقا ؟
ظاهرة التعليم النظاني حديثة جدا ، إذا ما قورنت بعمر البشرية الطويل، فهي رقم مهمل و مُتناهي الصغر، فهل كانت البشرية جاهلة عمياء؟
لو كانت البشرية جاهلة حقا لما استطاعت عبر حقبها أن تُراكم علوما و معارف كان لها الدور الأبرز في التطور و الرقي ، و في هذه الضجة الصناعية الكبرى، و التي لا تعترف بأفضلية السابقين و المُعلمين الأوائل، و الذين هم آباء العلوم الحقيقيون.
فمَن يعرف الآن مُكتشِفَ المطرقة، و صاحب السكين ، و مكتشف الذوبان ،
و غيرهم كثير ؟
فقد بقيت علومهم و معارفهم لجميع الإنسانية، دون أن تكتَب أسماؤهم في المجامع و الصفحات، و هم طبعا لم يلجوا أبواب الجامعات ، و لا المدارس الأولية.
من التهور أو التجاوز اللفظي القولُ إن التعليم النظامي لم يقدم شيئا، فمجرد الدوام و الجلوس و الحضور، هي أمور مهمة بها يقدم التعليم فكرة التعايش و المشاركة بين الأفراد، و يقدم فكرة التحاور و التلاقي و النقاش، و يقدم التلاقح الفكري و حرية الرأي و الكتابة، إنه يمنح الطالبَ الثقة بالنفس، و يجعله يتجاوز خطوطا وهمية كانت تحجزه حتى عن فعل الأشاء البسيطة، هذا جزء من الجانب الشكلي للتعليم، أما الجانب الجوهري للتعليم ، فهو يُقدم حُزمة من المعارف حسب وجة نظر معينة، و هذه الحزمة تقدمها عقول مختلفة لعقول أصغر و بطرق تختلف من مدرس إلى آخر، كما يختلف الاستيعاب و الفهم من طالب إلى آخر، فالمدرسة ليست ماكينة قطع القطع المتساوية، و المادة الأصلية مختلفة الأحجام و الأشكال و الإدراك.
فكيف نطلب منها إخراج جيل كامل بمقياس واحد، و بحصيلة علمية متساوية؟
ألا يُعدُّ هذا النوع تجاوزا للتحليل العلمي السليم، و المبني على قواعد عقلية منطقية؟
و هل الجامعة هي نهاية المعرفة و الإدراك و الفهم؟
من الطبيعي أن نجد نوابغ من خارج الجامعة كمبني يحمل يافطة مكتوبة، و لكنهم ليسوا خارج الجامعة كمناهج و طرق تدريس، و وسائل تحصيل يومي و أدوات و مدرسين و اختبارات،
فغالب النوابغ اليوم الذين هم من خارج الجامعة، تلقوا معارفهم على أساتذة أو مهندسين أو مدرسين تلقوا سابقا معارفهم عبر الجامعات المختلفة، و قد تكون هناك استثناءات و لكنها قليلة بالتأكيد، و إن تم تتبعها سترجع إلى أصول التعليم المنظم غالبا.
هل الهجوم على الجامعات هو رفض لمناهج تعليمية؟
أم هو رفض لسياسات قائمة اجتماعية أو اقتصادية؟
أم أنه لعدم القدرة بسبب الظروف الاجتماعية أو المادية أو السياسية؟
تعتقد بعض الدراسات أن التعليم النظامي بجميع مراحله يؤهل الطالب ليكون باحثا قادرا على اكتساب معارف جديدة بنفسه، فقد امتلك الثقة، و منهج البحث العلمي، و عرف استخدام الأدوات ، و التعامل مع المصادر و الوثائق، إنه خبير و بإمكانه تجاوز مرحلة الجامعة بمراحل، حسب طموحه و وقته.
و السؤال الآخر المهم و المرتبط بالذين يأخذون علومهم خارج الجامعات، ألا تُصاحب هؤلاء ثغرات كبيرة طوال حياتهم، و تقف أمامهم عقبات تجريبية و تفصيلية لا يُدركونها جيدا ؟
إنهم يُشبهون العالِمَ الذي يريد أن يقوم بتجارب البشرية كلها في علم من العلوم، و لكنه لا يملك العمر الكافي، و لا المواد و لا الأدوات، و مع ذلك يرفض الاستفادة من نتائج مدونة و تم الاتفاق عليها بين العلماء السابقين و الحاليين.
الجامعات مرافق بشرية تحمل أخطاء كثيرة ، سواء من حيث المناهج أو التوقيت أو الدورات و الأداء، و هي تختلف حسب القدرات المادية ، و الهامش السياسي و الطاقم التربوي .. و هي ليست بعيدة عن تأثير محيطها، لكن كل هذا لا يُلغي دورها الفاعل، و لا يفتح الأبواب مشرعة للتسرب و التعليم الخارجي، فهو أيضا قد يُؤدي إلى ثغرات كبيرة و كوارث إذا تعلق بتجارب و تطبيقات تمس حياة الإنسان و محيطه و غذاءه.
النظرة إلى خريجي الجامعات اليوم تُصاب بأخطاء التعميم، حيث أصبحت بعض الجامعات تصدر طلابا لا يستحقون الشهادة الثانوية في أنظمة تعليمية أخرى، ذلك أن التعليم الجامعي فُتح بابه العلمي على مصراعيه لأباطرة المال و السياسة، فنخرا نخاعه الشوكي، و تم تسطيح الكثير من المعارف ، و تسليم شهادات لناس لا يستحقون، و الفضائح اليوم تُلاحِق جامعات عريقة و في بلدان متقدمة، فكيف سيكون الحال في العالم الآخر النائم و المتخلف اقتصاديا و سياسيا و علميا.
و في النهاية فإن التعليم هو الطريق الأمثل إلى التهذيب و التكوين و الرقي، و هو باب التربية الأكثر قبولا و نجاحا، بغض النظر عن نجاحات فردية خارجية تُعدُّ على رؤوسالأصابع.