25
غلبرت رايل Gilbert Ryle كان فيلسوفاً بريطانياً وهو ممثل لجيل من فلاسفة اللغة المعتادة البريطانيين المتأثرين بوجهة نظر فيتغنشتاين في اللغة، وعـُرف أساساً بنقده لفكرة المثنوية الكارتيزية، التي صاغ من أجلها التعبير "الشبح في الماكينة". بعض أفكاره في فلسفة العقل أشير إليها على أنها "سلوكية".
الوفاة: 6 أكتوبر 1976
قال الفيلسوف الإنكليزي "غيلبرت رايل" في كتابه مفهوم العقل:
(1949م) "إن الكثير من المعضلات الفلسفية والنظريات الغربية نشأت من الخلط في تفسير المصطلحات اللغوية"
من المعروف أن رايل بنى فلسفته العقلية على رفض ثنائية "ديكارت" التي تَعْتبِر أن العقل و الجسم جوهران مختلفان، أحدهما مادي و الآخر مُختلف عنه تماما ،حيث رأى "غيلبرت رايل " أن العقل اسم يُطلق على مجموعة واسعة من السلوكيات التي نقوم بها ،و أنه غير موجود إلا في تفسيرنا لمصطلحات السلوك.
فهل العقل موجود فعلا؟
و كيف يكون اتصاله بالجانب المادي؟
و هل يمكن تحديده بمجموعة من المحددات التي تُميِّزه عن غيره؟
تقِف أمام رفض وجود العقل مجموعة من العقبات التي تَفُتُّ في عضُدِ المُنكِرين لوجوده أصلا ، فالتفكير نفسه و التدوين و التوثيق و الملاحظة و حتى السباحة في عالم الخيال الواسع و نحن لم نحرك ساكنا من مكاننا كلها أدلة على عمل ليس ماديا بحتا،و هذا العمل و الحراك لا يرتبط بجانب الجسم المادي ، وقد يكون ذلك أثناء النوم العميق، حين يخلد الجانب المادي إلى سبات تام و طويل.
و لكن ثنائية ديكارت التي تفصل بين العقل و الجسم لم تُقدم عبر طرحها أدلة مُقنعة للفلاسفة على ذلك الفصل النظري بين الجوهرين المُتمايزين، فهي تُقدمهما بتعاريف تُشبه المسلَّمات أو القفز على حقائق .
و إن عدنا إلى " غيلبرت رايل" و رأيه أن التفسير الخاطئ للمصطلحات السلوكية هو أصل وجود العقل و تسميته ، فهل مجموعة السلوكيات التي تُسمى عقلا ناتجة عن الجانب المادي ؟
و كيف يُفسر وجود جانب مادي لا يمتلكُ تلك السلوكيات و لا بعضها؟
يطرح بعض الفلاسفة العقل في الأجهزة الألكترونية كجهاز الحاسب الآلي بوصفه من الأمثلة الشاهدة على وجود عقل أو عفريت آليِّ و هو في حقيقته عبارة عن مجموعة برمجيات سلوكية خالصة، و لكنهم يتجاهلون أن تلك السلوكيات و البرمجيات هي جزء بسيط من تأثير العقل المُنتِج لها ، و بالتالي ففصلها عنه للاستشهاد بها عليه فيه حَيفٌ كبيرٌ و تجاوز واضح لأدوات التبرير و مُقتضيات الإثبات.
و إذا قمنا بتصوُّر واقعٍ ما، في مكان ما، لم نشهد مثله في السابق، و لا تصوَّره غيرنا من قبل ، فهل يعني ذلك أن ذاكرة ما وُلدت معنا أو طورت نفسها عبر أعمارنا ، فمن أين تأتي تلك الأفكار و التصورات إذا كان الموجود مجموعة سلوكيات يؤثر فيها الواقع ، و هو الدافع إليها أصلا.
إن مشكلة العقل تزداد تعقيدا حين يحاول العقل تعريف نفسه ، أو تمييزها عن غيرها، الأمر الذي يحتاج فصلا و نظرة خارجية ، و هي أمور يُعجِزنا مرحليا امتلاكُها أو محاولة تجاوزها و لو للحظات قليلة.
يمكننا الفصل بين مجموعات من السلوكيات و تحديدها حسب الأمر و الطلب، من هذه السلوكيات ما هو غريزي و ضروري لاستمرار الحياة نفسها و هو موجود عند الحيوانات ، و منها سلوكيات لا تحددها غرائز البقاء و لا تدخل تحت إطارها الكبير و الواسع ،
فمن أين تأتي و ما هي مصادرها؟
و من أين جاءت تلك الأوامر؟
و كيف نفسر مجالاتها الواسعة و الخارجة حتى على حدودنا المادية؟
هذه السلوكيات التي لا تَرتهن لسلطة الغرائز، و لا لجانب المنفعة الآنية و التي تتسع باتساع المعرفة و الإدراك هي التي يمكِن أن نطلق عليها العقل أو القائد و المُحفِّز و لو لم تكن مستقلة لما كان لها ذلك الوجود و التأثير في حال سبات الجسم أو عجزه، لكن تلك الاستقلالية قد لا تكون بمفهوم الفصل أو التّمايُز المُطلق الحاد.