.......
تُصادف اليوم ذكرى رحيل الأستاذ الفاضل، محمد فاضل عبد الدايم.
محمد فاضل، ذلك الأسمر الأشيب البشوش، الذي قدمته التلفزة باسمًا هادئًا لمشاهدي خيمة "اجْماعه"،.. لكنّه هوّ نفسه الذي كرّس جلّ حياته للأدب الرّفيع بحثا وانتاجا وتأليفا وكذلك للخطِّ والتدوين، دون صخب في أروقة الإذاعة الوطنية، واجتهد إلى أن انتزع تزكية عصيّة من العميد محمدن ولد سيدي إبراهيم، لقد كان ثروة، وكان عينًا ثرَّة من الأدب والتّراث، انسلت من بيننا في سكينة العارفين.
المُحيَّا البشوش الذي حملته الشاشة إلى بيوتنا، هو واجهة الرجل الثابتة والعفوية،..علامة أخلاقية خُطَّت بالرزانة والتمكن وحُسن المنطق.
أتذكره اليوم رحمه الله ككثيرين، وأتذكره أساسًا وأنا أضع يدي على قلب اللهجة الحسانية، وقد أصبح أطفالها لا يرسمون بأفواههم لفظا سليما،.. يعانون العوق التّواصلي بها، فقد توقَّف لديهم النمو اللغوي للحسانية، وابتدعوا فيها، وابتعدوا عنها، ادخلوا إليها من قمامات الألفاظ العكرة ما يُقْلِق على صفاء وردها مُستقبلا،.. حتى الكبار امتلأت لهجتهم بالشوائب ويضمحل رصيدهم في اتجاه الجفاف، أتكلم عن نفسي، أقترفُ أخطاء بارزة في النّطق، وتتلاشى المصطلحات وما ترمز إليه من ذاكرتي لأني أُقلع لا إراديا عن استخدامها كُلَّما اختفت من بيئتي، أوحين أسقطتها وأعتمدتُ بديلا عنها من العربية أوالفرنسية.. أجد صعوبة أحيانا في فهم بعض الكلمات المُجرَّدة، خصوصا أنَّ المرجعيات اللغوية من المسنين المقتدرين لغويا تختفي من محيطنا تباعا،.. فماذا عسانا نورّث لأطفالنا، والسّلوك اللغوي اللَّهجي مُقيد بالتقليد والتّعزيز اليومي.
كنتُ من المدمنين على برنامج "اجماعه"، للمتعة، والاطلاع وخصوصا للتّحصيل والتَّزود اللغوي، واسترجاع المُنْدرس من الحسانية وقيَّمها، وقد كانت "اجماعه طايبه"، تُشير بأريحية الى تراثنا الأدبي والقيّمي وتُعزّز بصمة الهوية في تشويق،.. تتمازح، تتضاحك في انشراح أعصاب،.. فبعض برامج الأدب الشَّعبي مُنفِّرة، "التّرطال" والتَّهكم في استعلاء معرفي، وقطع الخط في تخلّف، واستهلال يابس يُعطي انطباعًا بأن المُقدِّم يقرأ بيان إعلان حرب نفسية على الأذواق والأمزجة.
أطفالنا، يُعيدون الآن اكتشاف الصَّمت في عزلة مع أجهزتهم الإلكترونية، يُخفقون في معرفة مدلول ثلثي الكلمات الحسانية،.. ويُفاقم الخلل لديهم عدم الثبات على لغة واحدة، حيث تتناوبهم مسارات تعبيرية يومية مُتشعّبة، العربية والفرنسية والانجليزية، وتتناشب فيهم مؤثرات البث الفضائية بكل اللهجات الغريبة، فضاعوا.. لا هُمْ أتقنوا اللغات ولا هم عَلِموا لغتهم الأم الحسانية.
وبالتالي، نحن بحاجة الى تقريب الحسانية منَّا، في برامج تُرضي الذائقة وتجذب المتابعين والمشاهدين. فلا وقت لدينا لاستقبال مزيد من الحسانية النقية، ولا وقت لدى أطفالنا لاستماعنا، كل في فلك يسبح.
لقد كان الفقيد على وعي بذلك، فسابق الموت بالتَّدوين، لقد أمتع محمد فاضل ذائقتنا في جوٍّ من الأخلاق، التي أفردت له جناحيها وأطالت العناق،.. وليس من مدح الميّت أنه جعل بين الولادة والوفاة جسرا من حسن الصّفات، وقد مات محمود الخصال، وبالتالي لم يمت.
اللهم كُنْ لعبدك، محمد فاضل ولد عبد الدائم، وكُن لنا يوم نصير إلى ما صار إليه،.. اللهم آمين.
.....
الصورة من موقع السّراج كان اعليها اسمهم وامسحتو، مشاركة منِّي في النَّهب الإلكتروني.