كلمة أسرة المناضل سميدع / د. محمد محمود محمد سميدع:
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه الكريم
كلمة شكر وتقدير
أيها الجمع الكريم
بدوري أرحب غاية الترحيب كل باسم ووسمه، وأصالة عن نفسي وباسم عائلة أهل سميدع وكافة المسمى لا يسعني في بداية حديثي هذا إلا أن أشكر جزيل الشكر وأمتن عظيم الامتنان إلى مجموعة سدنة الحرف على كل الجهود التي يبذلونها من أجل الوقوف مع قضايا أمتنا الإسلامية والعربية سواء تعلق الأمر بتخليد قضاياها أو تعلق الأمر بإنصاف وتخليد زعمائها على مر التاريخ، ومن هنا يأتي الشكر مضاعفا بالنسبة لنا كموريتانيين بشكل عام، وبشكل خاص بالنسبة لنا كأفراد عائلة المناضل والبطل الشهم سيدي محمد سميدع – رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته.
ولا غرابة في ذلك فهم خيرة من خيرة.
وهل ينبت الخطي إلا وشيجه وتغرس إلا في منابتها النخلُ
فلهم منا جميعا أسرة ومسمى كل الشكر والتقدير والعرفان بالجميل، على هذا الاهتمام من خلال تخصيص دورة الشاعر والأديب الأريب الدكتور: أدي ولد آدب حفظه الله ورعاه، وأطال عمره، لفقيدنا وفقيد الوطن ككل المرحوم سيدي محمد سميدع.
أيها الجمع الكريم
لا أخفيكم أنني أقف أمامكم عاجزا عن وصف هذه اللحظة التاريخية التي يخلد فيها هذا البطل المناضل الشجاع الأبي.
إلا أنه من باب المحاولة فقد أعددت هذه الكلمة الموجزة التي أود من خلالها أن أقدم أسطرا قليلة من حياة هذا البطل النادر الذي لا يمكن أن تفي حقه المؤلفات العديدة ولا الدواوين الكثيرة.
فهو سيدي محمد ولد محمد لمين ولد محمد مولود ولد محمد ولد أحمد ولد سميدع ولد حبيب الله ولد محمذن ولد محمود اليعقوبي الجعفري نسبة إلى عبد الله ابن جعفر الطيار رضي الله عنه وأرضاهما.
- ويكفينا ذلك شرفا وفخرا وعزا ونصرا وشموخا.
- وأمه المغفور لها بإذن الله تعالى المرأة الصالحة الشريفة عائشة بنت سيدي ولد اخليل بيت العز والشموخ والشرف من آل شمس الدين.
- ولد سيدي محمد سنة 1946 ودرس القرآن والعلوم الشرعية واللغوية على أبيه الوالد المغفور له بإذن الله تعالى العلامة اللغوي محمد الأمين ولد محمد مولود (لولاد) فحفظ القرآن عليه وأخذ عنه العديد من علوم الفقه واللغة وكان نابغة حاد الذكاء سريع الفهم، ولما كان والده أحد رواد جيل التعليم الأول في البلاد فرض ذلك التحاق صاحبنا بالتعليم النظامي وبرزت مواهبه وتفتقت عبقريته حتى صار مثلا يشار إليه من بين أقرانه، وكان ذلك منعطفا في حياته تجسد مع بلوغه الخامسة عشر من عمره حيث نالت موريتانيا الاستقلال آنذاك على غرار أغلب المستعمرات في العالم خاصة المستعمرات الفرنسية جنوب الصحراء، ولما كان الاستقلال ناقصا أو شبه منعدم نظرا للتواجد الفعلي للمستعمر في كل ثنايا ومفاصل الدولة، كان ذلك يحز في نفس هذا الفتى الأبي، وكأنه ولد من أجل حمل مشعل النضال وطرد المستعمر وقيام الدولة على قيم العدل والإنصاف ونبذ التفرقة والقضاء على جميع الفوارق الاجتماعية.
- نشأ سيدي محمد في بيت مسكون بهموم القومية العربية والدفاع عن اللغة العربية التي لم تكن آنذاك مدرجة في مناهج التعليم، فكان أول من وقف أمام الرئيس المختار ولد داداه رحهما الله، خلال زيارته للثانوية الوطنية حيث صاح في وجهه مطالبا بإدخال اللغة العربية في مناهج التدريس، وقد ذكر ذلك أعضاء الوفد خاصة الفرنسيين منهم على غرار الأستاذ Fransesse Du Chasse افرانسيس دي شاسي الذي قال ذات يوم وصلت إلى نواكشوط في بداية عقد الستينات وتزامن وصولي مع افتتاح الثانوية الوطنية فدخل علينا رئيس الجمهورية بالقاعة أثناء حصتي الأولى، فجأة وثب شاب صغير يكاد يطير من الحماس المتدفق وخاطبه قائلا: "كيف يعقل أن تدرسوا أجيال المستقبل بلغة المستعمر؟ نريد ترسيم اللغة العربية وتعليمها حالا".
وكان ذلك الفتى صاحب الانتفاضة من أجل لغة الأم هو بدر الزمان الموريتاني المناضل سميدع.
سيدي محمد أو سميدع، كما يحلو للكثيرين رغم أن عمره النضالي لم يزد على سنوات محدودة إلا أنه شهد الكثير من المحطات، فقد اشتهر في الأوساط النقابية وكان يتصدر صفوف المطالبين بترسيم اللغة العربية وأصدر (مجلة موريتانيا الفتاة) كما قاد بعد ذلك إضراب 9 فبراير المناهض لحركة رفض تدريس العربية وقد قاده ذلك إلى السجن يناير 1966.
إذ يقول أقرانه إن دخوله السجن غير نظرته للأمور فأدرك حينها أن الاستعمار هو العدو الحقيقي للوحدة الوطنية وأنه من أجل الحصول على الاستقلال الحقيقي لا بد من توحيد الشعب بمختلف قومياته ومن هنا بدأ يفكر في تأسيس (حركة وطنية)، كان المرحوم سيدي محمد قائدا في الحراك المندد بالعدوان الثلاثي على الجمهورية العربية المصرية سنة 1967 وهو الحراك الذي أسفر عن قرار موريتانيا غير المسبوق بقطع العلاقات مع الولايات المتحدة وبريطانيا، كما وقف إلى جانب عمال المناجم عندما كانوا يطالبون بحسين ظروفهم ودخلوا في احتجاجات وصدامات مع الأمن راح ضحيتها العديد من الشهداء رحمهم الله تعالى.
بعد أن أكمل تعليمه الثانوي توجه المرحوم سميدع إلى دكار العاصمة السنغالية حيث درس بكلية الآداب بجامعة الشيخ أنتا ديوب ولكنه لم يتوقف عن النضال إذ أصدر من هناك نشرية الكفاح التي كانت تطبع في دكار وتوزع في موريتانيا، فكانت غرفته في الحي الجامعي ورشة عمل ومقر رئيسي للتحرير وطباعة وسحب وترجمة جريدة الكفاح، وسيدي محمد هو المحرر والمترجم والطابع والساحب كما كان كثير المطالعة والقراءة ومعه عشرات الكتب والجرائد والمجلات العربية ويكره لغة المستعمر رغم أنه يجيدها بشكل لا مثيل له.
واستشهد هنا بما كتبه الوزير السابق والديبلوماسي والرئيس الحالي للجنة الوطنية المستقلة للانتخابات حيث كان يسكن في غرفة واحدة مع سيدي محمد والحديث للدكتور محمد فال ولد بلال حفظه الله ورعاه، حيث يقول في إحدى تدويناته بعد زيارته للغرفة التي كان يسكن فيها في الحي الجامعي في دكار "... وقفت حائرا أمام زحمة المشاعر والأحاسيس والذكريات وأكثر ما هالني في اللحظة واستحوذ علي هو سميدع: شخصيته الفذة، حياته القصيرة سنا الطويلة معنى، إرادته الفولاذية، جديته الخارقة، معيشته الزاهدة، معشره الحلو، كان قليل الأكل والنوم، متواضعا ملتزما صارما مع نفسه منضبطا".
توفي رحمه الله تعالى في يوم 07 يناير 1970 بعد مرض ألم به وصعدت روحه إلى بارئها رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولعمري فقد صدق الشاعر والأديب الكبير الوالد أحمد ولد عبد القادر في قصيدته لأخيه وزميله سيدي محمد ولد سميدع حيث يقول:
يحز في القلب آلاما وأحـــزانـا ** موت الصــــديق إذا مــا كــان إنسانا
وكان حرا نقي العزم متــــخـذا ** على مبــــادئه بالبــــذل بــــــرهـــانا
يجود بالنفس مرتاحا ومغتــبطا ** ويوسع الـــذات عنـــد الجــود نكرانا
براءة الطفل تحنو فوق بســمته ** إن كان يألف إخــــوانا وخــــــــــلانا
وصولة المارد الجــبار عـــادته ** إن ثار يفــــضح تدليــــسا وطــغيانا
قل للطلائع إذ ترثــي سمــيدعها ** والرزء أثقل من أجـــــبال تاگـــــانا:
لا تمنحوه رثاء لا يــلائـــــــــمه ** دمـــعا وخـــوفا وإشــــــفاقا وإذعانا
قد كان يأمل والتصـــميم شيــمته ** أن تصبحوا لسماء المجد عقــــــبانا
فلتأخذوا المشعل الخفاق من يــده ** ولتملؤوا الـــدرب إقـــداما وإيــمانا
يا مـــن يعز علـــــينا أن نفارقــه ** حيا وأصــبح في أعـــداد قتــــــلانا
ذكراك تأخذ من شعبي مرارتــها ** عهـــدا عــلى الـثأر لن يلقاه كسلانا
لا نرهب الموت لا نخشاه إن لـنا ** للموت فهما يســلي عــن ضــحايانا
يعطي الشهيد مثالا من بطـــولـته ** فيصبح الكل أبطــــــالا وشجــــعانا
وموكب النصر والتاريخ منطلـق ** رغم الصعاب يجوب الدرب جذلانا
وما تنال سهول الأرض من دمنا ** سيســـتحيل أزاهـــيرا وأغـــــصانـا
تخفي التراب بذور النبت تأكــله ** والنـــبت يخـــترق الأجـــواء ريــانا
وجذوة النار تخلو من حرارتـها ** من بعد ما تمــــلأ الــــوديان نيـــرانا.
وفي رسالته الخالدة إلى روح سميدع عليهما رحمة الله يقول الشاعر المهندس الأمير المرحوم الشيخ ولد بلعمش:
سميدع مرت الأيام برقا
فكنت حديثها غربا وشرقا
كأنك من سجوف الغيب طيف
يبلغنا رسالته ويرقى
قرأت على النضال فكان فتحا
وناديت الجموع فكان صدقا
فماذا لو لبثت بنا قليلا
تفتح أعيينا وتدل حمقا
وكان طريقنا شرفا وبذلا
فبدل بعضنا لينال رزقا.
رحم الله شهيد النضال والعزة والإباء، رحم الله سيدي محمد سميدع وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.