منْ عَـنْـدْ أَمَـنْـدُورْ اتْـمَـشَّـيْــتْ @
مِسْتَگْبَلْ، سَاحِلْ نِبْكِـتْ جَيْـتْ@
لَكْبَاشْ، ؤُجَيْتْ امْـعَ حَاشِيــتْ@
الْخَـوَّارَه، وِامْـشَـيْـتْ امْـعَــــاتْ@
تِــلِـبَّــاطْ الْــعِـلْــبْ، ؤُكَـرْطَـيْتْ@
الْـگَـصْعَه وِاحْسَـيْ احْـمَـيْــدَاتْ@
انْـگَــيَّـــلْ عَـنْـــدْ إلَى گَـــدَّيْــتْ@
فَـمْ اجْـمَــاعَه مِـــنْ لِــبَّــيْـدَاتْ @
ؤُمِــنْ فَـمْ اتْعُــودْ اتَّــاسِدْبِيــتْ@
اتْــــــرَوَّحْ لَامُــوراتْ، اتْـــــلَاتْ@
وِافْـــرِيگْ إچَــوَاچْ إيـــلَ عَــادْ@
اتْحَـــوَّلْ مِـنْ عَــنْــدْ آمُـــورَاتْ@
يُــگَــيَّــلْ، وَللَّ گَـــــالِــعْ زَادْ @
وَاطِي حَـدْ اعْلِيهْ ابْ لِـمْـبَــاتْ@
أوفى وصفٍ للرحلة ما حملته هذه الطلعه بين ثناياها، ولئن كان الهدف منها الوصول إلى شخص بعينه، فإن فضاءها كان غنيا بالتفاصيل عن محطاتها المختلفة؛ زمانا، وأمكنة، وناسا، حتى لم يترك الشاعر مجالا لمتسائل.
لم يكن امحمد على ما يبدو مستعجلا في وصف السير، بل قدمه بعرض بطيء يتلذذ صاحبه بكل لحظة من لحظاته؛
واختار وقت الصباح للبدء في الرحلة وهو ما يحيل إليه السياق حين يقول في التافلويت السابعه: ( انكيل عند إلى كديت)، واختيار الصباح مناسب والإنسان مفعم بالنشاط، والوقت معتدل منعش.
ويحدد الشاعر مكان الانطلاقة معددا بعد ذلك كل الأمكنة التي تنتظم خط الرحلة حتى تصل غايتها.
لم يكن السير حثيثا ولا صاحبه مستعجلا يغذ راحلته، بل ظل متمهلا يستمتع بكل ما حوله، ويتملاه باهتمام وشغف؛ فهو يرسم خط المسار مكانا وزمانا: (اتمشيت- انكيل- اتعود اتاسدبيت - اتروح- يكيل- واطي حد اعليه ابلمبات.)
إنه المتحكم في الرحلة وسيد الفعل فيها، يفصلها على مقاسات مريحة زمانا ومكانا.
وتترجم الأفعال المزدحمة في النص الحيوية التي تطبعه؛ فقد تتالت عشرة أفعال؛ تداخل فيها الحاضر بالمستقبل، والمنجز من الرحلة بالمتوقع فيها.
فالشاعر خَبِرَ المسارَ وألِفَه حدَّ الإدمان، حتى أصبحت له طقوسه الثابتة في أدائه: ( اتمشيتْ- جيتْ- ؤجيتْ- وامشيتْ- ؤكرطيتْ- انْكَيَّلْ- كَدّيْتْ- اتْرَوَّحْ -يُكَيَّلْ-)
وقد صاحب الأفعال تعيين مسرحها وكيفية وقوعها: فالبداية كانت صوب الجنوب، وكل محطة فيه محددة المكان، مُعَلَّمَةُ القسماتِ، والنهاية المنشودة هي الوصول إلى حي أجواج أينما حلوا.
جاءت هذه الرحلة التي شغلت فضاء النص حاضنة أو رمزا وارفا للتعبير عما يعمر قلب الشاعر من مشاعر تجاه حبيبته، ولئن تجنب ذكرها أو الإلماح الصريح إليها، فقد أفاض في وصف الرحلة إلى مرابعها إفاضة العاشق المستمتع، وذكر الحي الذي يحتضنها .
ولئن كان محمد سيد الفعل في الرحلة كما أسلفت، فإنه كذلك كان سيد القول في اللغة، فقد تصرف فيها تصرف المقتدر تراكيبَ وعبارات و مفرداتٍ؛ وذلك عن طريق تقديم الظرف على الفعل في قوله:(مستكبلْ، ساحلْ نبكتْ جيتْ)، وكذلك الفصل بين المتضايفين في قوله: ( مستكبل ساحل نبكت جيت@ لكباشْ...)، وكذلك في قوله: (انكيل عند -إلى كديتْ-@ فم اجماعه من لبيدات )
كما يظهر تصرفه في الكلمات حين يدمج كلمتين ليشتق منهما القافية بسلاسة ورفق: (... وامشيتْ امعاتْ@ تلبَّاطْ العلب)، إضافة إلى استخدامه المفردة (اتلاتْ) للدلالة على الإثبات، وهي عادة تستخدم للدلالة على النفي مع الحرف (ما) أو النهي مع الحرف ( لا).
ولا نغفل الإشارة إلى ما ميز النص من غنًى إيقاعيٍّ كان للموسيقى الداخلية دور بارز فيه، عن طريق تكرار حرف التاء ( الذي جاء في حمر الطلعه وقافيتها وأثث الكثير من الكلمات داخلها، ويسانده حرف الدال القريب مخرجا من حرف التاء.
الطلعة غنية وتحتاج قراءة متأنية كخط سيرها الهادئ.