ديمقراطية الحماقة.. وحماقو الديمقراطية / إبراهيم الأندلسي

اثنين, 11/19/2018 - 20:48

 

يقول الفيلسوف رينيه ديكارت:
" الشيء المُقرِفُ في الديمقراطية أنكَ تُضطرُّ لسماع الأحمق"

تتفرع و تتعدد تعريفات الديمقراطية و أوصافها كما يتعدد المادحون و المبالغون بذمها ، إلا أنها رغم كل ذلك كانت أكثر قبولا و صمودا و بقيت حتى اليوم ترفض النزول و التخلي عن فستانها الجديد و كرسيها الذهبي البَّراق و كأن الشيخوخة لا تجد طريقها إليها مُطلَقا.
و من تفريعات الديمقراطية أنها تُعطي للجميع نفس الحقوق و تُقدم لهم نفس المنابر و لهم الحق في برامجهم الحقيقية و الوهمية و حتى تلك التي لا تخطر على بال الوهم في حال نومه فكيف و هو يقظان يُفرك عينيه ،و يُحرك أهدابه في كل اتِّجاه.

فإذا كان عند الفلاسفة -و هم المفكرون و صفوة  سدنة الثقافة- قرَفُ السماع و الإنصات للمخالف و حتى للساذج  فكيف تطلب الديمقراطية  من البسطاء سماع المخالفين ؟
و إذا كان الفيلسوف يُصاب بالغثيان عند  حضور   مهرجانات  الغباء و السذاجة و العنصرية و الشعبوية ... فَمَن الطبيب القادر على علاج اختلالات الفكر و الإدراك عند أمثال هؤلاء و ما أكثرهم ؟
كأن الفيلسوف ديكارت أراد أن يُظهر الجانب القبيح و ربما الوحيد في الديمقراطية و هو سماع الأحمق ، فمن هو الأحمق ، و ما هي الحماقة؟
لن أدخل في متاهات اللغة و تعريف الحماقة فهي تعريفات تحتاج حين العبور من بلد إلى آخر إلى تآشر المرور فالرؤية و التقويم يختلفان اختلافا جذريا
فهل كان الفيلسوف يذم الديمقراطية في شكلها المفتوح
 و عباءتها المتاحة للجميع ؟
 إن المتتبع لكتابات ديكارت يُدرك ذلك جليا فله ما يُعضد هذا التوجه، لأنه يُقسِّم الناس إلى طبقات من نوع آخر و قد لا تكون تلك الطبقات التي رفضتها الديمقراطية لاحقا.
كان ذلك أيام ديكارت حين كان التصادم بين الثقافات هو السمت الغالب ، و الهدف هو إزاحة العراقيل الماثلة أمام العِرق الوَريث أو العِرق الأسمى! و أيام الأقطاب و النبلاء!
فما هو حال الديمقراطية اليوم في عهد الإعلام و النت و فوضى المعلومات ؟
و هل غيَّبت الديمقراطيات العريقة ذلك الحمق الساذج ؟
أم أنها أحدثت حمقا مؤسسيا تحميه مؤسسات قانونية عملاقة؟
أم أن ذلك الحمق البسيط في مظهره استفاد من نظرية التطور و خاصية التكاثر ليصل إلى منصة أعلى من منبر الكلام و الكتابة ، تتمثل في سُدة الحكم؟
و أي حكم أليس حكم أكثر إمبراطوريات الديمقراطية عراقة و قوة ؟ و أكثرها تشبثا بالحرية و المساواة و حقوق العامة.
فَمَن يُعدِّل صياغة مقولة ديكارت في وقتنا الراهن حتى تستجيب لمتطلبات التوصيف الدقيق للظاهرة الجديدة؟

و الخلاصة أن الديمقراطية نظام يحظى بالقبول في كثير من البلدان و يتفوق على رواسب أخرى موجودة أمامه لا تصل أي درجة من درجات المنافسة و بالتالي فهي نظام يُسابق نفسه في فراغ سحيق و ينتصر على ذاته كل مرة في دائرة مُغلقة تكاد تنعزل عن المُؤثرات الخارجية.