عن مسألة "مناطقية" الإبداع الموريتاني / د. الشيخ سيدي عبد الله

سبت, 02/13/2021 - 18:30

 

في مسألة (مناطقية) الإبداع الموريتاني، ليس الدكتور حماه الله أول من أثار الموضوع، فقد سبقه آخرون، وَسّعَ بعضهم المجال إلى الثقافة ككل وليس الأدب فقط.
فقد رأى بعضهم أن منطقة الشر گ الموريتاني لم تهتم بالأدب شعره ونثره،  وإنما اتجهت إلى علوم القرآن والحديث، بينما تخصصت منطقة ( الگبله) في مجالات اللغة والادب ..
والحق أن إثارة (مناطقية) الأدب الموريتاني بدأت مع وصول كتاب ( الوسيط ) إلى اليلاد وما نتج عنه من نقاش (جهوي) لدرجةً أن بعض الجهات والقبائل طالبت بحرقه وإعدامه..
والنقاش العلمي الذي أثاره الوسيط كان مصاقبا لظهور أطروحة الدكتور محمد المختار ولد اباه عن الشعر الكلاسيكي العربي في موريتانيا والتي قدمها في جامعة السوربون..
فقد شكل اعتباره ولد رازگه أول شاعر تعرفه هذه البلاد الشرارة التي أطلقت نقاش 1979 على صفحات جريدة الشعب، فكان ذلك أيضا سببا في العودة لمتن كناب الوسيط وموقفه من شعر مناطق البلاد وقبائلها ...
وقد كان المرحوم الرشيد ولد صالح القلم الذي وقف ضد الرأي القائل بريادة ولد رازگه بينما كانت هناك أسماء أخرى وجدت رأي الدكتور هو الأصوب وبعضها حاول التوفيق بين الرأيين، وبرزت يومها أسماء لكتاب بارزين ( محمدي ولد القاضي، ادوم ولد محمد يحي، أحمد الولي .. ) وغيرهم..

أعتقد أن الأحكام على خلو أو ندرة الشعر في منطقة الشرگ، كان مستساغا في فترة انعدام المصادر وعدم توفر التواصل وآليات البحث.. وقد أشار المرحوم جمال ولد الحسن إلى ذلك في مقدمته لتحقيق ديوان (ضالة الأديب) لولد امبوجة التيشيتي حيث أعلن بشجاعة الباحث عن تراجعه عن بعض الأحكام النقدية المتعلقة بمناطقية الشعر بعد وقوع كتاب ضالة الأديب بين يديه..

واليوم لم يعد مقبولا من أي باحث إصدار الأحكام النقدية في قضايا الكم الابداعي، فقد اتضح أن منطقة الشرگ ليست دون المناطق الأخرى من حيث الابداع الشعري، واتضح أن منطقة الگبلة ليست منطقة شعر فقط.
فمن يطالع السفر الضخم ( ثمرات الجنان في شعراء بني جاكان) سيدرك ما يزخر به مكون اجتماعي واحد من مكونات الشرگ.. ومن يطلع على عمل صديقنا الاستاذ يحي ولد سيدي احمد المسمى (ديوان الصحراء ) سيتضح له الكم الهائل من الشعر الراقي في مناطق الشرك وخاصة مناطق أزواد والنعمة وولاته وتيشيت...
ومن يقرأ أعمال الدبلوماسي الليبي سعيد الگشاط خاصة كتابه ( من نقائض الصحراء) ومختاراته من الشعر العربي في الصحراء سيجد كم تحبل مناطق الشرگ الموريتاني بالشعر والابداع...
بالمقابل لم تعد منطقة الگبلة منطقة شعر فحسب، ذلك أنه لا يمكننا تجاهل كتابات الشيخ محمد اليدالي سواء في الأدب ( المربي على صلاة ربي) أو في تفسير القرآن..
ولا كتابات ابن اسمه الديماني، ولا نثر الشبخ سيدي محمد ابن الشيخ سيديا ( موجودة رسائله وردوده على آراء وردته عن شعره ) ولا يمكن تجاهل نثر الشيخ سيديا بابا في كتاباته التاريخية ومراسلاته العلمية ومناظراته الفقهية..
وإذا كانت المقامات من أرقى مناخات النثر فلا يمكن أن نتجاهل ما أبدعه فيها المختار ولد حامدن.. ولا غيره من معاصريه..

إن مسألة ( المناطقية) قد تكون مقبولة إذا كانت نتاج جرد وحصر علمي لكل ما أنتج في مناطق البلاد المختلفة أو اتخاذ عينات للدرس والتحليل والمقارنة.
أعتقد أن الدكتور حماه الله فتح لنا بابا علميا للنقاش المعرفي يمكننا أن نساهم فيه جميعا بالمعلومة الدقيقة دون تجربح أو اتهام ...

وأخيرا : هناك منطقتان من البلاد بحاجة لنقاش ثقافي ينصفهما أيضا هما منطقة الوسط ومنطقة الشمال.. ولهما عطاءات تستحق الذكر والتنويه..
مستعدون للمشاركة في أي نقاش ثقافي وعلمي ( وليس نسبي أو قبائلي) يساهم ويثقف، ولا يتهم أو يجرّح..