
أعارني مؤخرا صديقي الأديب الشاعر محمدن بن باب بن محمودا ، أحد الدواوين التي جمعت مدائح شيخ الإسلام أحمدُّ بمب المعروف بالخديم ، و
عنوان الديوان هو: ( دواوين شعراء أهل الزوايا الموريتانيين في مزايا الشيخ الخديم).
وقد جُمعت بين دفتيه، درر القصائد وغرر القطع التي دبجت في مدح الشيخ ، كتبتها خيرة من الشعراء الشناقطة ويبدو أن الديمانيين كان لهم حضور قوي في تلك الحضرة بدا جليا من خلال كم وكيف النصوص التي سجلت بأسمائهم. فهناك معكوسة ابن بدح الفريدة، وروائع باب ابن محمودا الشهيرة رحمة الله عليهما.
كما تعرفت أيضا على صاحب قطعة شعرية نادرة وردت في الصفحة 313 من الديوان.
ولد الشيخ أحمدُّ سالم بن محمد بن محمذن بن عم في انيفرار ، و أمه - وشقيقته عيشة- هي ميمون بنت العباس بن الكور بن قطرب بن محنض بن الغلاوي بن الفالِّ بن باب أحمد.
عاش أحمدُّ سالم الملقب حدُّ عيشة راضية بين أهله فحفظ القرآن في أخواله على يد السيدة منت بدح رحمها الله، وكان دائما يذكرها ويعزو إليها بعض نكت رسم القرآن، وكما حصل العلوم اللغوية والشرعية في انيفرار ، حيث أخذ عن كل من عاصرهم كالشيخ أحمذ بن زياد والعلامة محمذن بن ألجد و الشيخ أحمد بن الفاضل وغيرهم ... كما أخذ الطريقة الشاذلية على يد الشيخ عبد الرحمن بن محمذفال بن متالي و كان له تعلق خاص بتلك الأسرة.
وقد حدثني السيد سلامي بن محمدن بن بكي أن حدُّ كان يقرأ يوميا كتاب الأغاني للشيخ أحمد الفاضل رحمه الله، وقد توقف عن ذلك برهة استجابة لدواعي عرفية، لكن الشيخ أصر على عودة حدُّ إلى قراءة الأغاني.
تصدر الشيخ أحمدُّ سالم لتدريس العلوم اللغوية و الفقهية لشباب الحي، و قد برع في النحو والشعر والعروض، وكان يحث طلابه على تعلم النحو ويقول إن من يدرس العلم ويتجنب النحو كالدابة التي ترعى يابس الحشيش ، وتتجنب البقل الأخضر فلا تنتفع بها طيلة السنة.
كان الشيخ أحمد السالم قوي الشخصية يعبر عن رأيه بكل صراحة وثقة، أبي النفس ذا همة عالية، وكان يعتز بأخواله بني باب أحمد و يضع ميسمهم على بقره و جماله، كما كان ضليعا جدا في علم أنساب بني مهنض أمغر.
و قد جرت له قصة شهيرة - في مجال الأنساب- مع لمرابط محمد فال بن محمذن بن العاقل الملقب ببها. و ملخصها هو أن لمرابط ببها زار مقبرة ذات الشول "تنيخلف" فوجد حدُّ قد سبقه إليها – وكان لمرابط ببها أسن منه- فأراد ببها أن يتعرف عليه فنظر أولا إلى ميسم جمله لكنه توسم فيه أنه أبهمي ، ثم تابع لمرابط ببها بدقة زيارة حدُّ لنزلاء المقبرة لعلَّ أن يتعرف عليه من خلال من زارهم، فلم يتسن له ذلك لأن حدُّ لم يتجاوز أحدا إلى أحد، فبادره لمرابط ببها قائلا : ترى ماهو أول دم يجمعنا؟ فأجابه حدُّ بديهة أهل ابراهيم بن الكور فمدَّ ببها يده إليه قائلا أحمدُّ سالم بن محمذن بن عم " أفٌّشْكَ" أي أيدك .
وقد عدل حدَّ عن دم أهل أيدوم بن أشفغ المختار بابُ - الذي قد يكون أقرب- لأنه لا يختص به عن إخوته ، لأن جدة ببها لأم هي سالما بنت أيدوم، و جدة حدُّ لأب هي فاطمة بنت الفضل بن أيدوم.
و هذا النسب أقرب من دم آل إبراهيم لأن أم لمرابط ببها هي خديجة بنت محنض بن المعلوم بن إبراهيم ، و أم الكور بن قطرب جد حدُّ هي ميمون بنت حبل بن إبراهيم .
و تدل هذه القصة على خبرة حدُّ الفائقة في الأنساب وفي الأعراف الإكيدية ، كما تشير أيضا إلى سرعة بديهته من خلال تعرفه على لمرابط ببها إذ يبدو من سياق القصة أنهما لم يلتقيا من قبل.
وقد عدت عوادي الزمن على إنتاج الشيخ أحمد سالم الشعري وعلى تقاييده ، فلم يرو منها إلا القليل حيث ذكر شيخنا العالم محمد فال بن عبد اللطيف في كتاب شرح أنساب أهل أعمر إديقب أن له أنظاما متفرقة من بينها تذييل تعقب فيه الشيخ العالم المختار بن جنكى في نظمه لمدافن أهل إكيد، حيث أضاف إلى النظم أجداده الذين لم يرد ذكرهم فيه مع تحديد أماكن دفنهم.
وكنت قد حفظت له في الصغر بيتين رجزيين ، ضبط من خلالهما اسم نذير قريش الشهير ضمضم (بفتح الضادين) بن عمرو الغفاري فقال:
ونجل عمرو الغفارِ ضَمْـضَمُ
بفتح ضاديه و ذاك يعلم
من البناني على الكلاعي
من كان في العلم طويل الباع
وقد عزا أحمد سالم هذه المعلومة إلى كتاب الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد السلام البناني المعروف ب "معاني الوفا بمعاني الاكتفا " الذي شرح فيه كتاب أبي الربيع الكلاعي الموسوم ب الاكتفا بسيرة المصطفى و الثلاثة الخلفاء.
تزوج الشيخ أحمد سالم عائشة بنت الشيخ أحمد الفاضل و أنجبت له ابنتيه فاطم فال و أيم رحمة الله عليهما ، و قد توفي أحمدَّ سالم بن عم يوم الأربعاء و دفن في نفس الليلة فى مقبرة تنيخلف.
أما قطعته الشعرية النادرة التي وردت في الصفحة 313 من ديوان مديح الشيخ الخديم فهي في غاية السلاسة و قرب المأخذ و أناقة العبارات و قد اختار لها بحر الخفيف ثنائي التفعلة فقال:
غادر الشيخ كل عز هباء
ملأ الأرض مجده والسماء
كل يوم يزداد علما و حلما
وسناء ورفعة وبهاء
كم رأينا عليه من وسم خير
فانظر إن شئت أن تر الفضلاء
ذاك فـضل من الإله جليل
يجعل الله فضله حيث شاء
أيها الحاسد المشمر ذيلا
اغضض الطرف مهْ وراء وراء
قد رأينا ما قد رأينا ابتداء
ورأينا ما قد رأينا انتهاء
يعقوب بن اليدالي