3 ساعات · كانت أولى نتائج مهرجان العلك في نسخته الأولى أنه وحّد أبناء مدينة المذرذرة المحبوبة والمحظوظة بمناخها ومياهها العذبة وأشجارها الجميلة ورمالها الذهبية وناسها الطيبين، فكان لهذا المهرجان الثقافي رسائل من أهمها أن بإمكان أبناء المذرذرة أن يجتمعوا وإن اختلفت توجهاتهم وآراؤهم ومشاربهم، وأن الاختلاف لا يفسد للود قضية؛ فبعد أن انتهت فعاليات المهرجان أعرب جل ساكنة المذرذرة عن فرحتهم بهذه التظاهرة الجميلة، وأكدوا حرصهم على أن تتوالى عاما تلو الآخر.
وإذا كان مهرجان العلك بالمذرذرة قد حصل على دعم كبير من أبنائها، ودعم معنوي من وزارة الثقافة، فإنه يمكن القول إن هذا الجهد الكبير كانت وراءه خلايا عملت على مدار عام كامل لتذليل الصعوبات وتجاوزها حتى تظهر المذرذرة وأبناؤها بالمظهر والمكانة اللائقين بهما.
مهرجان العلك مختلف تمامًا عن التظاهرات التي تقام من حين لآخر، لكثرة فعالياته وجودة المادة المقدمة خلاله، كما تجنب القائمون عليه السياسة مطلقا وما يؤول إليها، فكان سرا من أسرار نجاحه.
بدأ المهرجان بكلمة لرئيسه العلامة محمد فال ولد عبد اللطيف (بباه) رئيس نادي حماية تراث المذرذرة، وذلك بحضور حاكم المذرذرة ومنتخبيها، ومستشار وزير الثقافة المكلف بالتراث، والمندوبة الجهوية للثقافة في اترارزة، إضافة إلى جمع غفير من أطر المقاطعة وسكانها. وقال رئيس نادي حماية تراث المذرذرة محمد فال ولد عبد اللطيف إن المهرجان جاء بمبادرة من نادي حماية تراث المذرذرة؛ مشيرا إلى أن النادي عبارة عن رابطة ثقافية لا ربحية ولا حكومية، معترف بها رسميا وعلتها الغائية هي المساهمة في حفظ التراث الوطني من خلال المحافظة على التراث الثقافي للمذرذرة والتنويه به وانتشاله من عوادي الزمن.
كانت تلك الكلمة بحثا شاملا ومفيدا تناول من خلاله تاريخ العلك ودوره في تنشيط الاقتصاد قديما وحديثا وعن دوره في علاج كثير من الأمراض كما تناوله فقهيا مستعرضا آراء الفقهاء. ثم جاءت المحاضرات تباعا، وقد تألق الباحث الدكتور عبد الله ولد احمياده في الليلة الثانية للمهرجان في محاضرته عن شجر "أيروار" وكانت تحت عنوان "أيروار كما هو" وتناول فيها الباحث عبد الله ولد احمياده تفاصيل دقيقة عن "أيروار" ومادة "العلك" وتطرق للاستخدامات الصناعية وتقنيات قطف وتخزين وتسويق العلك، كما تعرض المحاضر لشجر "أيروار" والتحديات التي يواجهها والمشكلات البيئية التي أثرت عليه كما تكلم المؤرخ محمد عبد الله (بليل) عن موانئ أهل محمد لحبيب وإدولحاج ودورهم البارز في تصدير مادة العلك، وعن أهمية الاتفاقيات التي أبرمت مع الأوروبيين.
وقد شهدت الليلة الأخيرة من المهرجان عدة أنشطة من بينها محاضرة ألقاها الدكتور الصوفي ولد محمد الأمين تعرض فيها لبعض الفتاوى المتعلقة بـ"العلك" وأقوال العلماء في ذلك المجال. وقدم الطبيب التقليدي الأستاذ أوفى ولد عبد الله ولد أوفي عرضا قيما وممتازا عن أهمية العلك ودوره في علاج الكثير من الأمراض؛ مستعرضا بعض النماذج.
وألقى السيد سيدي ولد عبد الحي ولد الموزعيه محاضرة استعرض خلالها بعض أقوال الأدباء حول "العلك" معرّفا بالمادة وبأبرز استعمالاتها. كما ألقى السيد ديدي ولد سيدي ميله محاضرة تطرق من خلالها للاتفاقيات الموقعة حول "العلك" وبعض القصص المتعلقة بذلك. كما تم تكريم الفائزين في مسابقة الرماية.
المهرجان بأغانيه أنعش المذرذرة وجماهيرها ونشط الدورة الاقتصادية، وقد ازدان المهرجان بربط الأديب الأريب الصحفي اللامع أحمدّ ولد باب ولد أبنو، وكان الختام بكلمة الناطق باسم مهرجان المذرذرة الثقافي الأستاذ محمد ولد أحمد الميداح الذي قال إن المهرجان قضى ثلاثة أيام في "جو احتفالي بهيج في عاصمة مقاطعتنا الجميلة والغنية بعبق الثقافة والتراث" معتبرا أنها "صمدت أمام عاديات الزمن، فلم تتأثر بزوابع انعدام المعرفة وتلاشي القيم والأخلاق".
وقد نظم المهرجان معرضا بمنزل "دنبه گلو" في حي "مدينة" وشهد إقبالا كبيرا من طرف المثقفين وزار المهرجان، وتم عرض مئات الوثائق التاريخية المتعلقة بتجارة "العلك" والاتفاقيات بين أمراء اترارزة والحكام الفرنسيين.
وفي جانب آخر من المعرض تم عرض الآلات التقليدية التي كانت تستخدم في جني "العلك" إضافة إلى الأواني التي يوضع فيها، مع كميات متنوعة من هذه المادة. وقد عبر عدد من الزوار عن إعجابهم بالمعرض.
وقد تخللت المهرجان إلقاءات شعرية اخترت لكم منها مشاركة الدكتور حامدن ولد الفالي ولد المزروف
لَا تُفَوِّتْ حَيْثُ تُوتَى الْمَقْدَرَهْ ~~ مَهْرَجَانَ الْعِلْكِ فِي الْمِذَّرْذَرَهْ
فَآتِهِ وَاسْمَعْ كُنُوزًا تُجْتَنَى ~~ فِيهِ، وَانْظُرْ لَا تُقَلِّدْ مَخْبَرَهْ
حَيِّ وَاشْكُرْ مَنْ عَلَيْهِ أَشْرَفُوا ~~ وَوُجُوهًا حَضَرَتْهُ نَيِّرَهْ
كُلُّهُمْ - لَا خَابَ سَعْيًا- خَيِّرٌ ~~ ذُو مَسَاعٍ وَطِبَاعٍ خَيِّرَهْ
مَهْرَجَانُ الْعِلْكِ بَعْثٌ صَادِقٌ ~~ لِثَقَافَاتٍ نَرَاهَا مَفْخَرَهْ
مِنْ بُطُولَاتٍ وَأَيَّامٍ مَضَتْ ~~ وَفُنُونٍ خَلَّدَتْهَا الْمَحْظَرَهْ
وَلَئِنْ قَصَّرْتُ فِي تَوْصِيفِهِ ~~ خَوْفَ تَطْوِيلّ؛ فَأَرْجُو الْمَعْذِرَهْ!