سيد أحمد الأمير
كاتب ومؤرخ موريتاني
سافرت الأسبوع الماضى من نواكشوط الى الدوحة مرورا بالدار البيضاء. ومما يشغل راكب الطائرة هذه الأيام تلك الخريطة التفاعلية التي توجد أمام مقعد كل راكب والتي تحدد بقياسات دقيقة ما تبقى من وقت الرحلة، ومسافتها، وتحدد درجة الارتفاع والسرعة والحرارة... الخ.
تعرض عليك تلك الخريطة المفيدة قياس الارتفاع بالمتر وبالقدم، فالناس أجناس فيهم من يقيس بهذا وفيهم من يقيس بذلك، وتعرض عليك قياس حرارة الجو بالسلسوس وبالفرنهايت لأنك قد تكون ممن يقيس بهذا أو بذاك، أما المسافة فتعرضها الخريطة تارة بالكيلومتر وتارة بالميل فهما مقياسان عالميان.
جال بخاطري أن في ثقافتنا الحسانية، هي الاخرى، طرقا كثيرا للقيس والمعْيَرة. فأجدادنا تعاملوا مع الأطوال وقاسوها ومع المكاييل وعيّروها ومع الأوزان وقعّدوها ومع السلع وقوّموها.
ومن أطرف ما في الحسانية في قياس الأطوال استئناسهم ببيئتهم الحيوانية فيقولون لما دون الشبر "فم كلب"، وبما كان فوق الذراع ودون الذراعين "نواشتْ بگرة"، أي ذيل بقرة.
ومن أطرف قياسهم للمكان استعارتهم
لألفاظ تتعلق بالانسان (كلامه ومشيته ورؤيته)، فيقولون عَيْطَه للمسافة القصيرة، واتماييحَه لما فوق ذلك، واتواطيَه لما زاد عليها، وشَوْفَه لمسافة كيلمتر تقريبا وشوفت اهل الابل وشوفت الكديه لما زاد زيادة بينها وكلها من معجم الرؤية. أما إذا ارادوا مقياس المكاييل السائلة فلهم طرق طريفة يرتبط بعضها بمعجم الشراب، فيقولون: اتفيفيطه لأقلها ثم الرشفه والجغمه والصرطه والغبوريّ وأگرطوع، وهي بهذا الترتيب من الاقل إلى الأكثر.
اما العملات وتسعير السلع فقد طالت التدوينة على تفصيلها ولنا إليها عودة.