الصين في مئوية الحزب الشيوعي
في خطابه بمناسبة مئوية الحزب الشيوعي الصيني، أعلن الرئيس شي جينبينع أن «نهضة الصين لا رجعة فيها»، وأن بلاده قد وضعت نفسها على سكة قيادة العالم في المدى المنظور.
منذ حكم الصين في نوفمبر 2012، يسعى «جينبينع» إلى هدفين أساسيين مرتبطين هما تعزيز النموذج الصيني في نسخته الجديدة الجامعة بين التوجه القومي والمركزية الحزبية ورأسمالية الدولة النشطة، وتكريس ريادة الصين دولياً، من خلال السيطرة على منافذ العولمة الاقتصادية والتقنيات الجديدة وصعود الصين في الأسواق العالمية الكبرى.
من هذا المنظور يختلف مسلك «جينبينع» عن نهج الزعيم المؤسس للصين الحديثة «ماو تستونغ»، أحد القادة التاريخيين للحزب الشيوعي الصيني عند نشأته في يوليو 2021، كما يختلف عن نهج خلفه «دينغ كسيامبونغ» باني النهضة الاقتصادية والصناعية الصينية المعاصرة.
يتبنى جينبينع مقاربة تنطلق من توجيه الحزب الشيوعي للديناميكية الاقتصادية الحيوية التي هي القوة الدافعة للطموح الاستراتيجي الصيني في العالم الراهن.
وإذا كانت الصين استفادت من مكاسب الثورة الرباعية مطلع الثمانينيات (تحديث الزراعة والصناعة والتقنيات والتسلح)، فإنها شهدت بعد نهاية الحرب الباردة تحديات عصية تمحورت حول مطالب الانفتاح السياسي التي اعتبرت نتيجة تلقائية لقيام مجتمع راسمالي نشاط وحيوي، ومصاعب التموقع الاستراتيجي في تركيبة النظام الدولي الجديد، الذي بدا أن الولايات المتحدة الأميركية بمقدورها صياغته والتحكم فيه بمفردها.
ما حدث مع وصول «جينبينع» للسلطة هو بروز نظرية جديدة في التحديث تنطلق من هدف بناء مسلك صيني خاص للحداثة، يضمن استئناف الريادة الصينية علمياً وتقنياً، التي توقفت مع الثورة الصناعية الأوروبية في القرن السادس عشر.
تسعى الصين للاستثمار الواسع في التقنيات الاتصالية والفضائية والذكاء الاصطناعي، التي هي عماد الثورة التكنولوجية الجديدة.
استعاد الحزب الشيوعي الصيني موقعه الحيوي في الساحة السياسية في حقبة جينغبابنغ، وأصبحت له دون شك أكبر قاعدة حزبية في العالم كله بعدد منتسبيه الذي وصل إلى 92 مليون منخرط(6.6 بالمائة من عدد سكان البلاد)، كما أنه غدا ممثلاً بفروعه في كل المؤسسات والشركات التجارية الخصوصية والعامة، وله كلمته الحاسمة في السياسات الخارجية والداخلية.
وشهد الانفتاح الاقتصادي ذروته في العهد الجديد بتشجيع من قيادة الحزب الحاكم الذي يراهن على توسع قاعدته الاجتماعية، التي انتقلت من الوسط الزراعي الصناعي إلى الطبقة الوسطى المتمسكة بالخط السياسي القائم رغم ضيق ومحدودية منافذ التعبير الحر والتمثيل في مراكز صنع القرار.
وفي حين يخضع النظام الغربي مقتضيات النسق الاجتماعي لأولوية الحرية الفردية، يرى الفكر الصيني أن الحرية الذاتية لا تتحقق إلا في منظومة اجتماعية متضامنة تحميها وتجسدها موضوعياً.
فالشيوعية من هذا المنظور لا تعني الأطروحة الماركسية التقليدية في الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج وديكتاتورية الطبقة العاملة، وإنما الحاجة إلى سلطة مركزية قوية تحمي المجتمع من انحرافات وتجاوزت الحرية الفردية عندما تتحول إلى أنانية جشعة أو استغلال طبقي غير مشروع.