يعد إبراهيم ولد بكار ولد إسويد أحمد من أبرز شعراء تكَانت التي يتميز شعراؤها عن غيرهم من حيث ارتباطهم بالأرض و جمال تصويرهم لها و عمق تجربتهم في استنطاق صورها...
يمثل إبراهيم، الذي يطلق على نفسه ،تارة، اسم ابراهيم ولد إبراهيم، شخصية عصامية متمردة.. و سامية النفس...
فمن أين اكتسب هذا الشاعر هذه الصفات؟
إبراهيم تركيبة خاصة:
يجمع الرواة على أن إبراهيم هو نجل الأمير المجاهد الشهيد بكار ولد إسويد أحمد ( 1818- 1905), بطل معركة بوكَادوم و دفين راص الفيل في تكَانت... و أن إبراهيم من أم نمادية.. أي من انمادي.. هذا المجتمع البدائي العروبي الذي يعيش متنقلا يقتفي أثر الطريدة أينما حلت و المتميز بحب العزلة و الاعتماد على النفس و حب التفرد... مستعيضا بحيواناته المكلبة عن الاعتماد على البشر...
نشأ ابراهيم في هذا المجتمع.. و يقول بعض العارفين بسيرته إنه درس القرآن حتى أكمله حفظا و يشهد لذلك اقتباسه منه في شعره...
إحلمتْ آن بغلَ جيلي
متنعمْ و الحاله زينه
"و ما نحن بتاويل
الاحلام بعالمينَ"
فهذا ينسب إليه كما ينسب إليه:
ي السايلني عن ميمونه
راه تكَره ساحل كَيمي
" عمَ يتساءلون
عن النبإ العظيمِ"..
فقد اقتبست القطعتان من آيتين قرآنيتين.. دون أن تغيرا فيهما شيئا... و هذا يدل، من ناحية، على احترام النص المحكم و من ناحية أخرى يدل على براعة الشاعر في تطويع النص الحامل للنص المقتبس... و يعتبر ذلك من النادر لدى الشعراء في القديم و الحديث.... فشعر إبراهبم، هنا، رشح بالقرآن... يقول شيخنا الشيخ محمد فاضل:
و نفرح بالأذكار شوقا لربنا
و كل إناء بالذي فيه يرشح...
نماذج من شعر إبراهيم ولد بكار:
تعتبر قطعة " إمريميده" من أشهر شعر إبراهيم... و يظهر فيها الطابع الملحمي.. و الحماسي... كما يظهر فيها ضمير الجماعة الذي اشتهر به شعراء القبائل عندما يتحدث أحدهم باسم قبيله و مفاخر قومه... كما يظهر في قصيدة بني تغلب للشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم:
... متى ننقل إلى قوم رحانا
يكونوا في اللقاء لها طحينا
يكون ثفالها شرقيَ نجد
و لهوتها قضاعة أجمعينا...
يقول إبراهيم:
إلا انسلو لمدافع
يبكَانَ ثقل الفتنه
و امنين صالح يُدافع
إتركَ فمرو دنيتنا...
و لكن غرضَي النسبب و الغزل يكادان يطغيان على النماذج المنسوبة إليه... و من أشهرها :
1- قطعة " تلطف بيَ يوم ال نصبح..."
فقد قدمت هذه القطعة لوحة مفصلة عن آن من آناء الزمان... و هو وقت الصباح و و آن الهجير و آن غشو الليل... و موسم التمور عندما يموج طلاب البلح يطوفون به " كجيلانَ عند قطافه
تردد فيه العين حتى تحيرا..." أول حلولهم بالوادي.. و هم لا يزالون في خضم تعب السفر و أمتعتهم في رواحلهم ... يتنقلون من مكان لآخر بحثا عن مستقر إلى حين.. و فجأة يظهر في الأفق نوء كثيف و البروق تلمع من تحته.. فتختلف التكهنات بشأنه.. من قائل إنه صار على وشك الهطول و من قائل إنه قد انتهى و صفا الجو منه...
و بين هذا و ذاك تشرئب نفس الشاعر إلى دعاء القريب المجيب... و التنويه بحب ذلك الوكر على تلك النفس الشاعرة بخلو المكان من قاطنيه... و تغيب عين صاحب الوكر و أثره حتى لا يكاد يتحدث عنه أنيس و لا داع و لا مجيب..
تلطف بي يوم ال نصبح
فوكير ألي بغرامو شح
إدبش لكَياطين امطرح
مزالو فعكَاب الكلفه
تتخالف دوارت لبلح
فزوال اتكَل الخلفه
يطلع نو اكبير امَرَح
و البراكَه تحتو ردفه
بين ألي إكَول النو إصلح
ؤ بين ألي إكَول النو إصف
عفوك يا عظيم الجاه
مغلاه أوكير إبان إحف
ؤ معود غلايو ما لاهي
ترتد امن أخبارو نتف...
فعلا.. لن يتحدث متحدث عمن حبب الوكر... لأن النص حسب بعض الآراء يمثل رثاء لذلك الانسان الغائب عينا و الغائب ذكرا...
يقول ابن عبدون الأندلسي:
الدهر يفجع بعد العين بالأثر
فما البكاء على الأشباح و الصور....
2- قطعة الصبر عن ( منه):
يصرح إبراهيم في هذه القطعة، إن صحت نسبتها إليه بأسماء أعلام إنسانية و مكانية... و يبدأ من ذلك بذكر ( منه).. التي نفد صبره عنها عندما ظهرت له أماكن شكلت "منبها شرطيا" ( كما يقول باقلوف) لتذكرها.. مثل اتويكَرنيت و سواد جبل أغشكَوكَيت.. و يبين أن صبره عنها مشروط بالنأي عن أماكن تذكر بها... يقول:
أفات الصبره عن منه
ي العكَل امنين اتويكَرنيت
بانت.. و إدور إبان إنَ
من تل اكحال أغشكَوكَيت
صبري عن منه باش اتريد
فخلاكَي ي الحي المجيد
ألا ف انتم اف وكر ابعيد
امن اغوديت ؤ فيه اهنيت
و ال بعد انواشيد إزيد
بيه إعلي مول التيليت
و إعود أغوديت إمركَ ليد
غير امنين إعود أغوديت
إنشوفو و إنشوف إنواشيد
و ال فيدي شوف أغلمبيت...
أفات الصبره....
3- صراع الجبل و الكثيب في قطعة:
و اللهِ ما مَركَ تشواشْ
إعليَ ي الحي اللطيف
الحمره و إحسي أرماشْ
و اكَريكَيره نوبت لخريفْ
و أحزملي من ذاك أزِوازْ
الخرزه و المنكَر و إحزازْ
كديتْ كَبو ف امنين انحاز
مسو عن لبياظ اتشكريف
كَاعد لو من شركَ أبراز
لاحكَ ف الزيره لغراذيف...
فالمنظر المؤسف عند إبراهيم يتمثل في هروب جبل كَبو عن بياض الكثيب المهدد له.. و لئن نجا جبل كَبو فإن جبل أبراز قد اصطاده الكثيب و بدأ يبتلعه حتى وصل فيه درجة الاختناق...
فالصراع ببن عوامل التعرية و شموخ الجبل الأرعن هو ما يؤسف الشاعر الذي لربما رأى نفسه تجسيدا لذلك الصراع... كما استطرد الشعراء، يوما، في وصف مشهد طبيعي و صوروا معاناتهم من خلال معاناته... يقول النابغة الذبياني:
... أسرت عليه من الجوزاء سارية
تزجي الشمالُ عليه جامد البرَدِ
فارتاع من صوت كلابٍ فبات له
طوع الشوامت من خوفِ و من صرد...
فوصف معاناة الثور الوحشي الذي ينزل عليه مطر قاس و هبتْ عليه شمالٌ زعزعٌ .. و إذا به، و هو في تلك الحالة لا يستطيع حراكا من البرد و الجوع، يسمع صوت صياد له كلاب ضارية... فبات بين الخوف و البرد.. مما أقر عين الشوامت به... تماما كما النابغة المتوعد من النعمان بالقتل و المقطوع الرزق من هداياه و مع كل ذلك يتسلط عليه الوشاة و الحساد... فيشمت به أعداؤه...
فهل كان الأمير إبراهيم في هذا الموقف؟
لا شك أن ارتباطه بأرض تكانت في شماليها، حيث مضارب أخواله في مجال يمتد من (تيشيت) إلى ( لمريه) يجعله يجد نفسه في ذلك المكان و يتعاطف معه لدرجة التلاحم...
و في الختام...
لا نكاد ننهي الحديث عن شعر الأمير و نماذجه حتى نلفت انتباه قرائنا الكرام إلى أننا لم تستوف هذه النماذج من التعليق و التحليل.. كما أننا تركنا، لدافع منهجي، الحديث عن مقطوعات له أخرى لا تقل أدبية عما أوردناه... و حسبنا أن نكون قد نفضنا الغبار عن شعر أمير متمرد صاحب نفس كريمة... اقتدى بأبيه في كل ذلك... فهو عدي في اقتدائه به... " و من يشابه أبه فما ظلمْ..."
سيدي محمد متالي