هذه أجوبة كان كتبها العلامة اللغوي الشيخ المُفتى الشيخ إبراهيم بن يوسف بن الشيخ سيدي - حفظه الله - لأحد السائلين، يبين له فيها الطريقة المثلى لإتقان فني النحو والصرف، وامتلاك ناصية البيان، ويرشده إلى أنفع الكتب والدواوين لذيْنك الغرضين.
وذى أسئلة السائل:
(1- شخينا المفضال، ما هي أفضل منهجية وطريقة لدراسة النحو والصرف عن طريق المطالعة؟ فما هي الكتب التى تنصحون بها؟ جزاكم الله خيرا ونفع بكم.
2- وما هي أفضل شروح التسهيل والكافية والألفية ومغنى اللبيب؟
3- كتاب المبرد، تقصد الكامل أم ماذا؟
4- وكذلك ما هي أحسن الدواوين القديمة التى تنصحون بالإدمان فى النظر فيها؟)
فكتب له الشيخ مجيبا:
"من سبق له أن درس النحو والصرف دراسة محكمة، فعليه بمطالعة كتاب سيبويه، ومؤلَّف أبى العباس المبرد، وشرح مفصل الزمخشرىّ لابن يعيش، والمقرب والممتع لابن عصفور، وأهم شروح التسهيل والكافية والألفية، ومغنى اللبيب، وشروح شواهد المغنى، والخزانة للبغدادىّ، ونحو هذه الكتب الجامعة.
وإن أكثر مع ذلك من مطالعة الدواوين القديمة، واستظهار الكثير منها، وأدمن النظر فى المعاجم، حصلت له، مع مرور الأيام، ملكة اللغة العربية.
فإن درس أساليب المحدثين والمعاصرين وأشعارهم، وعرف لغة كل عصر ومصطلحاته، وأخذ نفسه بالدربة على الإلقاء بالفصحى، واستمر على ذلك كله دهرا، فإنه يكون - إن شاء الله - ممن ملك ناصية البيان، وسبر أغوار اللغة.
وأما من اقتصر على قراءة متن نحوىّ وآخر صرفىّ على شيخ، وكان تلقّيه فى المحضرة للعلوم باللهجة العامّية، ولكنه أتقن - مثلا - مراد ابن مالك من ألفيته ولاميته، فإنه يكون بمعزل عن الملكة والذوق، وفهم أسرار اللغة، وامتلاك ناصية البيان، والتعبير بالفصحى طبقا لأساليب العرب، والكتابة الإملائية الصحيحة.
ولكنه يكون قادرا على تدريس هذين المتنين وما فى معناهما، باللهجة، عارفا بالإعراب.
وهذا هو جل المطلوب من أكثر مدرسى النحو والصرف فى المحاضر. والله أعلم.
وشرح أبى حيان للتسهيل أفضل الشروح وأوسعها، وصاحبه أعلم المتأخرين بالنحو على الإطلاق. ثم شرح الدمامينىّ عليه.
أما المساعد لابن عقيل على التسهيل، فهو مختصر، فيستعان به فى الإقراء. ولابن مالك شرح على كافيته مختصر. وقد ترك بعض المواضع والمسائل لم يشرحها. ولكنه مفيد.
وشرح الشاطبىّ على الألفية أحسن شروحها وأوسعها. وكذا شرح ابن هشام، فهو أيضا جيد، وصاحبه إمام جليل من أئمة النحو.
وأما من حيث تقرير المعنى المراد والاعتماد فى التدريس فيعد شرح الأشمونىّ فى الطليعة.
ويليه عندى شرح ابن عقيل، على اختصاره. لكن حاشية محمد محيى الدين عبد الحميد عليه تداركت طرفا من النقص، وبينت كثيرا مما كان محتاجا إلى تبيين وإيضاح.
وأيضا فإن شرح المرادىّ جيد فى الجملة، ومختصر اختصارا غير مخل غالبا. وكذا المكُّودىّ على لطفه يصلح لتدريس المبتدئين. وحاشية ابن حمدون عليه مفيدة. وهى أحسن عندى من حاشية الصبان على الأشمونىّ.
وشرح شواهد المغنى للسيوطىّ من أحسن مؤلفات السيوطىّ.
وأما كتاب المبرد، فالمقصود به المقتضب. وقد وضع عليه العلامة عبد الخالق عضيمة حاشية فيها من نصوص سيبويه ما لا مزيد عليه.
هذا، وكتب النحو والصرف لا يحصى عددها إلا الله. وفى الذى ذكرته منها - على وجه التمثيل والاستحسان - كفاية.
وإنما تكلمت حسب رأيى وذوقى وتجربتى وحدود علمى النزر القليل. وللآخرين أن يخالفوا رأيى.
ولم أتكلم تقليدا لأحد، ولا مجاراة لعالم.
ولو خيرت بين جميع كتب النحاة، وفرض علىّ اختيار كتاب واحد منها، لاخترت شرح المفصل لابن يعيش، ثم لوجدته كافيا وغاية فى الإيناس والإمتاع. ولو طلب منى اختيار كتاب واحد فى شرح الشواهد النحوية لما عدلت بالخزانة كتابا.
وأما الدواوين فأحسنها عندى، وأنفعها فى تنمية الملكة اللسانية ديوان الستة الجاهليين، والمعلقات العشر، وجمهرة أشعار العرب، وديوان الهذليين، والمفضليات والأصمعيات، وحماسة أبى تمام الكبرى، وديوان حسان، والشماخ بن ضرار، ودواوين غيلان وجرير والفرزدق والأخطل والكميت...
فمن قويت صلته بهذه الدواوين، مع إتقان النحو والصرف، ولو لم يدرس الكتب السابقة كلها، وعايش المعاجم أو بعضا منها أوشك أن يلحق بابن الطلبة اليعقوبىّ أو محمد بن المعلّى الحسنىّ.
فإن نزل إلى أشعار المولدين وسائر طبقات الأدباء العباسيين والأندلسيين، ونظر فى كتب الموازنات والوساطات والرسائل الأدبية، وكتب النقد والبلاغة والإعجاز الموضوعة لذلك العهد، صقلت مواهبه، وتهذبت عباراته، وتمكن من الخوض فى مضمار الفنون الشعرية والنثرية قديمها ومحدثها، تالدها وطارفها، واكتسب الذوق الرفيع، والنقد البليغ.
فإن درس آداب أهل هذه البلاد، ونظر فى عطاء كبار شعراء النهضة وجملة الأدب العربى الحديث بمدارسه واتجاهاته وتياراته النقدية عرف أين تتجه السفينة.
والله على ما نقول وكيل".