بعد أن أتممت قراءة النسخة الورقية من كتاب" رحلة مع الحياة " أجريت إجتماعا طارئا مع الصفحة لتدارس أحقيتها في التعليق على هذه الرحلة والتدوين عنها فخرج الرأي بالإجماع بعدم إمكانية ذلك والإكتفاء بمشاركة المقالات والندوات ذات الصلة من باب "رحم الله من عرف قدر نفسه ووقف دونه " ولكن كما قال شيخنا العلامة محمد فال ول بابه
ترزق الضب فارغا عند جحر @ وتنيل المراد فوق الوساد
فجاة وبدون مقدمات وصلتني رسالة من"الجمل الأسمر " بعنوان "السكوت أبلغ" كتب فيها :
لما أنتقلت إلى ملكية غيره كان سيدي واثقا من أنني سأكون بأيد أمينة ولن أتعرض للاذى من أي نوع .كيف لا وأنا تربيته وقد أسهم في رعايتي وقام بترويضي وكنت كما وصفني في الرحلة " فتيا ' لم تثغر ثناياي ' قوي البنية ' ربعة ' مكتنز اللحم ' مفتول الذراعين ' منعطف المتن' أسمر الوبر' خفيف الحركة ' مرهف الإحساس" .
هكذا استلمني المالك الجديد وانا "أجمل مدوب" بعد ملازمة سيدي خمس سنوات يصدق في وصفي قول الشاعر
عن المرء لاتسأل وسل عن قرينه@ فكل قرين بالمقارن يقتدي
. لقد كان المالك الجديد يعرف أن قيمتي المعنوية تفوق بكثير قيمة الديون التي دفعت فيها وأنني كنز لا يقدر بثمن ويعلم علم اليقين أنني من كسب حلال و قد رتعت في'" مرحان " أهل محمد فال ول باب ول أحمد بيبه" فكان يلتمس البركة ويتيامن بوجودي معه وقد حاول بشتى الطرق أن أنسى الماضي وأن لا أحزن حتى لا يعلم سيدي فيتاثر من ذلك .....إلخ من سيتأثرون لتأثر سيدي من حزني .ولذلك لم يفهم هذا المالك الجديد سر ذلك الحزن والحنين الذي لازمنى منذ اللحظة الأولى لفراق سيدي وهو الموقف الذي لا أجد وصفا أبلغ فيه من قول العلامة أمحمد ول احمد يورة:
أَتَأْمَنُ مَكْرَ البَيْنِ وَهْوَ مَخُوفُ = وتُمْسِكُ دَمْعَ العَيْنِ وَهْوَ ذَرُوفُ
تَكَلَّمَ مِنَّا البَعْضُ وَالبَعْضُ سَاكِتٌ = غَداةَ افْتَرَقْنا وَالوَداعُ صُنوفُ
وَآلَتْ بِنا الأَحْوالُ آخِرَ وِقْفَةٍ = إِلَى كَلِماتٍ ما لَهُنَّ حُروفُ
حَلَفْتُ يَمِينا لَسْتُ فيها بِحانِثٍ = لِأَنِّي بِعُقْبي الحانِثينَ عَروفُ
لَئِنْ وَقَفَ الدَّمْعُ الَّذي كانَ جارِيًا = لَثَمَّ أُمورٌ ما لَهُنَّ وُقوفُ
وطالما أنشد حالى في لوعة قول الشاعر :
والجذع أصبح حاله في لوعة @ وأحس أن النور عنه قد انطفا
والحزن عم بأرضه وبساحه @ والقلب يصرخ راجيا متلهفا
وكنت أستحضر كلما مررت ب "لعكل" قول شيخنا العلامة محمد فال ول بابه
ألا ليت شعري هل لي الدهر عودة
لحي لدى البطحاء او ربوة الصدري
ومنهم بجنب الواد بعض وبعضهم
بجنبة إحدى السدرأو جنب ذي السدر
أقاموا بها حتى إذا انسلخ الشتا
توقوا سموم القيظ في حافة النهر
فلما شعر المالك الجديد بذلك وتأكد أن حالتى ميؤوس منها أرخى لى العنان وقال تحدث عن سيدك وافصح عن مافي نفسك فلما هممت بالكلام شعرت بالحيرة "من أين سأبدأ ؟":
هل أبدأ الرسالة بالحديث عن والد سيدي العلامة البركة محمد فال ول بابه ول أحمد بيب ول عثمان ول سيد أحمد ول عبد الرحمن ول الطالب محم ول حبيب ول محم ول إبيج ول هندن الله ول يحي وهو الجد الجامع وهل ستكفيني المجلدات للحديث عن شخصيات جامعة بحجم هؤلاء السادة الأخيار وان كنت وجدت ضالتي عند الاديب أحمدو سالم ول محمذن الفاضلي يصف فيها المحيط الإجتماعي والعلمي والصوفي الذي نشأ وترعرع فيه سيدي كما يعدد فيها مناقب شيخنا محمد فال ول بابه :
اشياخ من دون اعمايم
وگراگ صفر اتمايم
يغير بالحلم الدايم
اشياخ وابطيب الشيمه
والدين فبلدهم قايم
مكط فصل افتلقيمه
اشياخ بالدين انتصر
بالغيب مكط خبر
مكط فمدينه خطر
مرات حسن الختيمه
مكط فالدنية نظر
فكتاب نظر عقيمه
اشياخ عكد انزاها
فالدين حد اتولاها
مريض خايف لجاها
تبريه من عند الگيمه
مكط حد استفتاها
وفتات فتوة سقيمه
ماريت كيفت بعدان
اباه وولاد ديمه
وخيرت يشهد مولان
وارسول حك ابذ الخيمه
أم هل أفتتح الحديث بالكلام عن والدة سيدي أمنا خديجة (توت) منت امبب بن رئيس القوم بزيد بن محمذن بن الفال بن المبارك بن اما بن الفال بن الكوري بن سيدي الفال بن محنض بن ديمان
ووالدة سيدي توت هي حفيدة سيد قومه وعشيرته وزعيمهم بلا منازع" بزيد والذي أرخ لوفاته بابكر بن أحجاب بقوله عند ذكر الأعلام المتوفين
وآمر في قومه ونـــــاهي --- وفيهمُ ذو رفـــــــــــــــــعة وجاه
بازيد المعَدُّ للــــــــدهياء --- حامي الحمى والغوث في اللأواء
آبٍ عن الضيم ومن آباء ---أباة لا تضـــــــــــــــــــنُّ باللقاء
ويقول سيد احمد لحبيب في محمذن ول بزيد و امبب ول بزيد
أين ابن بازيد أمير الفـــضلا --- من جد في عليائهم واعـــــتدلا
اين أخوه امبَبُ ذو الإفـــاده --- والــاستقامة مـــــــــــع العباده
ووصـــــل كل رحم وجـــار --- بـــــــماله ومـــــــــــــتق للعار
لقد كانت والدتنا وسيدتنا توت رحمها الله حاضرة بقوة في جميع مراحل الرحلة من بداية الكتاب وحتي الصفحة 247 من أصل 400 صفحة وتحديدا ابريل 1971 الذي عنونه سيدي ب " فاجعة ست الحبايب" حيث وصف هذا الحدث بنهاية التاريخ بالنسبة له كما وصفت الرحلة كيف رتبت ليلتها الأخيرة في هذه الحياة الدنيا ووصيتها وهو ما اشار إليه في رثائها الوالد المؤسس أحمد ول ابا رحمه الله :
يخوتوني گط اجبرت
فين حداشمر من توت
عدل دنيت واخرت
فاحيات وعدل موت
هذه الأم النجيبة التي وصفتها الرحلة بأنها "غطاء" في فقرة وفي فقرة أخرى "كنت أعرف بابن الديمانية " وقد توقفت عند هذا التعريف وتساءلت عن المقصود بابن" الديمانية" وعرفت أن القوم اهل لغة وأدب وتاريخ إضافة إلى إشعاعاتهم العلمية الأخرى وأن العرب إذا ساد فيهم الفتي الذي تكون أمه من خارج الحي أطلقوه على أمه على سبيل الإعجاب بنجابة الأم ومنه "بنو قيلة " التي تطلق على الاوس والخزرج . وقد عرفت العرب المرأة النجيبة بأنها "الغريبة في الحي التي أنجبت السيد " و هناك سيدات أشتركن في النسب مع والدة سيدي وحمل ابناءهن وبناتهن لقب أبن "الديمانية" وبنت" الديمانية " في منطقة لعكل يصدق فيهن قول الناظم امحمد ول احمد يوره
عج بالكبير أبي الكرام الكمل
وأبي البنات و هن حرز المنزل
فولدن كل مجاهد ومشاهد
سر الغيوب و كل قاض أنبل
وكما أشار الناظم بقوله
والنظم ضاق عن بعضهم فحذفته
ولربما حذف الذي لم يجهل
فلا يمكنني أن أجهل ختام المسك فريدة عصرها واوانها واسطة العقد وسفيرة المعالي والمكارم والمحافظة كريمة رئيس القوم وسيدهم الحافظة العابدة والمنفقة القانتة يصدق فيها قول الشاعر :
حرف أبوها أخوها من مهجنةٍ @ وعمها خالها قوداء شمليل
وكانت رحمها الله كما رثاها الشيخ والأستاذ محمد ول بتار العلوي :
فقدنا «أُمَّنا» والعيشُ مُرْخًى *** ذوائبُه وجِيدُ الدهر حَالِ
بسابقةِ العُلا سَبَقَتْ لأمرٍ *** فلم تُغْنِ السوابق والعوالي
ودِدنا لو بِغَالٍ مِنْه تُفدي *** وفي الأحباب يرخُص كلُّ غالِ
ألا فليبكها عاف وعاشٍ *** لنار المجد لا نار ابن مالِ
وآوٍ في تَقَلُّبه لمَغـــنًى *** به استوت الأباعد والموالي
وصفوٌ لا يكدره جفاء *** وصون في اجتناب وامتثال
وحُب صادق وهوى يُهَدِّي *** إلى عين الحقيقةِ بالضلال
أجَارَ الْبَيْتِ حيث ألمَّ خطبٌ *** ألا هل باتَ حالُك منه حالي
فنحن بذا وإن كُنتَ المُعَزَّى *** لكم بدلٌ ببعض واشتمالِ
عليها في مقام الحق رُحمى *** من الرحمن ضافيةُ الظلالِ
ونالت وهْيَ راضيةٌ رضاهُ *** ومن جناته عَلَتِ الأعالي
يَزُفُّ لها البشائرَ كل حين *** قعيد عن يمين أوشمال
وناداها ب«أُمَّنْ لا تخافي *** قضاءً» مؤنسٌ من ذي الجلال
ونالت في الأحبة والذراري *** عظيمَ الفضل من مُسْدِيِ النَّوَالِ
مَضَتْ أمُّ المعالي عن مَنارٍ *** أدام الله فيه أبا المعالي
بِه مِنْ خُلْقِه نُكَتٌ تؤدي *** لركن من ذُرى العلياء عالِ
وتُنْتجُ من مكارمه قضايا *** بصدق مُقَدَّمٍ منها ونالِ
سوامٍ في سماء العقل فِكرا *** رواسٍ بالسكينة كالجبال
وأبقى الشمل مجتمعا بِوُثقى *** عُراه ذا اعتصامٍ واتصال
ولا زالت صلاة منه تترى *** على الهادي وأصحاب وآلِ
هل أتحدث عن سيدي "باب " أم عن كتاب الرحلة ؟
لقد توسم شيخنا محمد فال ول بابه في سيدي صاحب الفضيلة والمعالي شيخنا الدكتور محمد المختار ول اباه ثلاث "عينات " هي " عاقل عالم عارف" وقد تجلى ذلك بوضوح في ثنايا الرحلة وما الغيبة اليوسفية التى حولها سيدي إلى حرية في السجن إلا مثال على ذلك .
لقد تسبب كتاب سيدي "رحلة مع الحياة" في صحوة فكرية ' ثقافية ' تربوية ' سياسية وتاريخية وتجلى ذلك في ردود الأفعال سواء بالنثر أو بالشعر أو بالأدب الشعبي أو التحاليل السياسية التي تناولت الجانب السياسي ووجد كل فرد فيها ضالته وتوجت هذه الصحوة الفكرية بتوشيح رسمي لسيدي
والحقيقة أن هذه الرحلة ماهي إلا أمواج بحر محيط في ثنايا كتاب يخاطبنا قائلا :
..أنا البحرُ في أحشائِهِ الدرُّ كَامِنٌ . . . فَهَلْ سَأَلُـوا الغَـوَّاصَ عَـنْ صَدَفَاتـي.
ويصدق في سيدى قول جده العلامة وابو العلماء باب ول أحمد بيب رحمه الله :
وإذا المسائل أحجمت وتمنعت...وأبت مشاكلها على الحذاق...
أعملت سيف الفكر نحو عويصها...فحنت علي خواضع الأعناق... .
وهنا يصل الجمل الأسمر إلى نهاية الرسالة قائلا
لم أعرف إذن من أين أبدأ لذلك قررت أن "السكوت أبلغ " إذا تعلق الامر بالتعليق على كتاب رحلة مع الحياة لفضيلة شيخنا الدكتور محمد المختار ول اباه او بتوشيح الدولة المستحق له ثم يضيف الجمل الأسمر
مصاب الدني تثن...بليلي نعرف فيه
من طرب وأتم اسن....فبلده لين انجيه
حفظ الله شيخنا ووالدنا وأدامه الله ذخرا للاسلام والمسلمين
منت اميحيم