كُلَّما افشينا الاحترام، بُعث له سيف مزاجٍ يُشْهر في وجهه،.. أُروِّض مزاجي دومًا، وأُجْبِر مَعازفه على الصَّوم طويلا، وأثبت له أنِّي ما زلتُ على قيد الذوق،..
أدعو مزاجي من وقت لآخر على كأس استرخاء، في سكينة وصلتْ درجة التَّخمر المطلوبة للنّضج،.. نَتجالسُ في انضباطٍ عسكري، نتكاشفُ ونوطِّد المعرفة والعلاقة، فالمزاج ليسَ عابر سبيل في حياتنا ، هو رفيقٌ ، لصيقٌ، نزقٌ،.. لا أساير مزاجي ولا أجامل اشتراطاته الشاردة،.. ولا أُفْرِغه إلاَّ في مكبَّاتي الذَّاتية،.. لقد عوَّدتُه جفائي وغيَّابي عن تقلُّبات طقسه، وغرائبيَّات طقوسه، ولا أقْبل أن يحضرني وإيَّاه ثالث.
لا أقْبل أن يُسيِّرني مزاجي أو يعيد تشكيلي، فذلك الحيَّاد تخلصتُ من آخر بقاياه.. لا أقْبل أن أكون مِحبرته، يكتب بي كيفما اتَّفق، فالأمزجة معاندة لئيمة، تُغيِّر جلدها قبل أن تستأذننا، تستميل انصيَّاعنا، وتجعل منَّا مجرد بيادق تتلهَّى بها...، أحيانا كالعواصف فلا تُخلف إلا الدَّمار، وأحيانا كالنّار فلا تُخلف إلا الرماد،...
المزاجيَّة مقيتة، تقود بلا فخر الى اسقاط الذَّوق في التَّعامل وتعريضه للخطر،.. ولا تهبنا بالمقابل غير فتاتِ غرورٍ وبقايا مائدة نرجسية، مُتمركزة حول صورة نتوهَّمها عن أنفسنا، نعيشها بشعور خادع، في نفس الوقت يراها غيرنا مجرَّد شاهدِ قبرٍ نُصِب على وهْمٍ،.. فنضيع فيها وتُضيِّعنا.. لقد حكمتُ على المزاجية المتقلبة بانتهاء صلاحيتي معها، علَّمتُها أني لا أحسنُ قراءة الوجوه في المرايا المتعاكسة، وبأني لا أتصوَّرني مُنشغلة بتقلبات نشرة الأحوال النفسية للآخرين، فأنا كجلّ الكائنات الحية أميل للطقس المعتدل أغلب الوقت،.. ليس لي في التَّورية، ولا تمتلكُ مِجسَّات لغتي ليَّاقة القفز بين حبال الكلمات المُظلَّلة،..
المزاجيَّة صراع نفسي غير متحضر كثيرًا، وليس فيه إمكانية للفوز، لن نكسب منها إلا قتل ميزة العلاقات المتوازنة.
أُدْرِكُ أنَّ سعر الاحترام يتراجع باضطراد، فقد أصبح اختراعًا قديماً، يَحسب أيَّامه الأخيرة،.. لكن في مرحلة من العمر، وبعد أن خطفَنا الزَّمان مِنَّا مُطوَّلا، وحنَّكنا وعَرَكنا، يكون لكل منَّا المزاج الذي يستحق، و سيبقى أكبر رصيدٍ نقلناه معنا الى سِنِّ الرشد، هو أكياس كبيرة من النَّدم على مسايرة الأمزجة المُتقلِّبة، مجاملة، حياء، تأدُّبًا.
مسايرة تلوُّنات المزاجيَّة.. من الكماليات الباهظة التي أصبحت تتجاوز سقف دخلي النفسي من الرَّوقان وهدوء الطبع.