صدور كتاب جديد للعلامة إباه ولد عبد الله

سبت, 04/09/2022 - 06:48

 

كتب الفقيه و الأديب محمد ولد بتار ولد الطلبة ما نصه : 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

حلي التراقي وتسهيل الصعود، في خدمة الفن والطلَبة

صدرت هذه الأيام عن دار الأمان للنشر والتوزيع الطبعة الأولى من كتاب (تسهيل الصعود إلى مراقي السعود) وهو الشرح الصغير على مراقي السعود لشيخنا اباه بن عبد الله حفظه الله ورعاه ، بعد أعوام من صدور كتابه (حلي التراقي من مكنون جواهر المراقي) وهو الشرح الكبير على مراقي السعود.
وقد انتظمت في الشرحين درر علمية منتقاة من نحو مائة وخمسين كتابا ؛ ما ينيف على مائة منها من كتب الأصول ، وأغلبها لم يكن بيد شراح المراقي من قبل لتأخر الاطلاع عليها ونشرها ، والبواقي من كتب المقرأ والحديث والفقه واللغة والتاريخ.
ولا شك أن سؤالا يدور في خلد بعض الناس وعلى ألسنة بعضهم ؛ ألا وهو : ما فائدة إخراج شرح جديد لمراقي السعود بعدما شرحه المؤلف بشرحه البديع الوافي (نشر البنود) وبعد شروحه الأخرى المفيدة التي اختصرته وهي : (فتح الودود) للشيخ محمد يحيى الولاتي ، والشرح المطبوع بعنوان (مراقي السعود على مراقي السعود) للشيخ محمد الأمين بن أحمد زيدان ، و(نثر الورد) للشيخ محمد الأمين بن محمد المختار "آب بن اخطور". رحمهم الله ونفعنا بعلومهم.
وهذا سؤال قد يتبادر إلى بعض الأذهان في هذه العصور ؛ فقد قال الإمام أبو عبد الله الأبي رحمه الله تعالى في شرح مسلم، عند كلامه على قوله صلى الله عليه وسلم : " أو علم ينتفع به بعده ": كان شيخنا أبو عبد الله ابن عرفة يقول: إنّما تدخل التآليف في ذلك إذا اشتملت على فائدة زائدة، وإلاّ فذلك ‌تخسير ‌للكاغد. ونعني بالفائدة الزائدة الفائدةَ الزائدةَ على ما في الكتب السابقة عليه، وأما إذا لم يشتمل التأليف إلاّ على نقل ما في الكتب المتقدمة، فهو الذي قال فيه: إنّه ‌تخسير ‌للكاغد.هـ 
كما أنه قد يرد سؤال آخر : وهو : ما وجه الحاجة إلى شرحين  للمراقي :كبير وصغير؟
والإجابة عن هذا السؤالين تقتضي الرجوع إلى مضامين الكتابين وعرضها على كلام ابن عرفة الذي نقله الأبي ، وعلى أسباب التأليف السبعة التي ذكرها العلماء وهي : شيء لم يسبق إليه فيؤلَّف ، أو شيء أُلِّف ناقصا فيكمل ، أو خطأ فيصحح أو مشكل فيشرح أو مطول فيختصر أو مفترق فيجمع أو منثور فيرتب.هـ
وسنذكر أمثلة من مضامين الكتاب تشهد لكون الكتابين من العلم الذي ينتفع به ، وأنهما اقتضتهما أسباب التأليف  ، لكن نبدأ بما أشار له شيخنا حفظه الله في مقدمة حلي التراقي من أسباب التأليفين وما احتف بهما من ظروف دعت إلى ذلك بإلحاح ؛ ففيه كفاية من استكفى  ؛ قال شيخنا في مقدمة حلي التراقي (الشرح الكبير) : إن مراقي السعود للشيخ الإمام الأوحد، والعلم المفرد، مجدد العلوم الشرعية بعد اندراسها، ورافع قواعدها على أساسها، حبر هذه البلاد وبحرها، وواسطة عقد نحرها، صاحب المؤلفات النافعة، والأبحاث الجامعة المانعة، والفتاوي السائرة سير المثل، المشرق من طلعة شمسها ما يغني عن زحل، الفاتقة رتق ما دق وجل، سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم بن الإمام العلوي الشنقيطي رحمه الله تعالى، منظومة قد انتشرت في الآفاق، ونقلها الرفاق في مشارق الأرض ومغاربها عن الرفاق، قررها العلماء في مجالس علمهم بحثا ودرسا، وآثروها على غيرها نوعا وجنسا، وأقاموا منها بينات على دعاويهم، وأدلة عتيدة على فتاويهم، ألفية بعلم أصول الفقه وافية، خلاصة لمسائله كافية.
وقد شرحها الناظم شرحا سماه "نشر البنود"، جمع فيه من التحقيق والتدقيق ما لم يسبق إليه، ومن حسن الانتقاء ما لم يعرج أحد من المصنفين عليه، فتح له فيه باب النجح، ولا هجرة بعد الفتح، ولكن العلم كما قال حبيب بن أوس الطائي:

ولو كان يفنى الشعر أفناه ما قرت
ولكنه صوب العقول إذا انقضت

حياضك منه في العصور الذواهب
سحائب منه أعقبت بسحائب

فأقبل طلبة العلم على "مراقي السعود" تعلما ومدارسة؛ لما فيه من الخصائص التي لا توجد في غيره، خصوصا في تحري أصول فقه المذهب المالكي وجمع أقوال علمائه، اختصره بعضهم، ولخص بعضهم مسائله، وكنت ممن تطفل على دراسته مع الطلبة، وكتبت لبعضهم ذات عام من غير سؤال منهم على حصصهم اليومية منه درسا كل يوم، يعينهم على مراجعته، ويغنيهم عن الرجوع إلى غيره مما لا يتسع وقتهم له.
وما هو في الحقيقة إلا تلخيص من نشر البنود وبعض مختصراته غالبا، ثم من المحلي والضياء اللامع لحلولو، كلاهما على جمع الجوامع. 
وكنت كتبت من ذلك ما كتبت على شكل طرر، ما أردت منها حينئذ أن تكون وضعا منسوبا إلي كما هو الواقع، إلا أن هذه الطرر وقعت بأيدي الطلبة وتداولوها في داخل البلد وخارجه، فانتشرت أي انتشار، وورد المياه بها التجار، وبعد طول مدارسة المتن على ضوء نشر البنود وبعض ما كتب عليه، وتقليب مسائله ظهرا لبطن، وجولان النظر في ما وصلت إليه اليد من كتب الفن، ومراجعتها المرة بعد المرة، والكرة بعد الفرة، قد تعرض أثناء الدرس، أو المطالعة، أو سنوح الفكر، مما قد تثيره المذاكرة، أو تنتجه المباحثة مع من شدا في الفن من الطلبة، إشكالات تحتاج للإزالة، وغوامض تفتقر للإيضاح، واستظهارات تتوقف على ما يشهد لها من النقل، واستدراكات قد يكون في إلحاقها فائدة، وما أشبه ذلك.
وقد يقتضي الحال في بعض الأحيان إطالة الأنقال، لتعزيز بعض الأقوال-إذ ربما كان المقام يقتضي التأكيد لجلالة المخالفين لها- أو لإبراز بعض المسائل في قوالب متعددة، وعبارات متنوعة، زيادة في الإيضاح، وخروجا من العهدة، فألحقت بالتعليق المذكور ما أمكن إلحاقه من ذلك، فجاء في صورة تعليق كبير بالنسبة لما قبله، وتركت الأول على اختصاره؛ ليبقى ملائما للغرض الذي كتب من أجله، مع أني زدته تهذيبا وتشذيبا، وألحقت به فوائد وزوائد، فجاءا في صورة تعليقين: كبير وصغير.هـ من المقدمة المذكورة.
وقال في مقدمة (تسهيل الصعود) الشرح الصغير: هذه طرر كنت جمعتها على مراقي السعود للإمام الجليل سيدي عبد بن الحاج إبراهيم رحمه الله ، ولم أقصد بها إذ ذاك إلا إعانة طلبة يدرسونه في الوقت ، ولو كنت قصدت أن تكون جمعا مستقلا لكانت كما قيل :"انقل من ههنا وههنا وقل هذا تأليفنا" ولكن قضى الله بانتشارها في البلد وخارجه ، ثم نظرت فيها وزدت فيها زيادات كثيرة قد لا يكون بعضها فيما كتب على المراقي وآثرت الاختصار إلا في مواضع توقف توضيحها أو تحريرها على بعض الإطالة ؛ فلعلها تكون عونا لبعض الدراسين والباحثين."هـ من المقدمة. 
وبرجوعنا إلى المضامين نجد الأمثلة ظاهرة والأدلة متظافرة  على أن ما أشار إليه الشيخ في مقدمتي الكتابين تم على الوجه الذي أراد ؛ فمن مسائل الفن التي تم تحريرها في هذين الشرحين بما لم يجمعه شرح قبلهما :

تحقيق النسبة بين خطاب الوضع وخطاب التكليف

قرآنية البسملة في غير سورة النمل

تحرير مسألة اشتراط النية في حصول الثواب

تحرير مسألة دلالة المشتق على معناه ؛ متى تكون مجازية أو حقيقية؟

تحرير الكلام في القضايا المحتملة  وتصحيح التمثيل لتعارض النسخ والاشتراك 

تحرير علامات المجاز والفرق بينها وبين قرائنه

تحرير مذهب الأحناف في كون النهي يقتضي الصحة

تحقيق المراد بوجوب البدل ؛ على القول بأن الأمر للفور

تحرير مسألة عموم المجاز 

مناقشة إشكال القرافي في دلالة العام على بعض أفراده

الجواب عن تعارض عموم  الموصول وعهدية الصلة

توضيح مسألة عدم التخصيص بعطف الخاص على العام ؟

الفرق بين المحاشاة والتخصيص بالنية

الفرق بين القياس على الخارج والتخصيص بالقياس

تحرير المراد بالقول بالموجَب في الثبوت

تحرير معنى قادح التقسيم وجوابه

إيضاح معنى قولهم :" الشأن لا يعترض المثال"

تحقيق الكلام على نفي المُدرك

تحرير مسألة العمل بالقرآن والحديث ممن لم يبلغ درجة الاجتهاد..................إلى آخر ذلك من المسائل التي لا تخطئها عين الناظر ، من تحرير مسألة تحتاج لذلك ،  أو إزالة اللبس بإبداء الفرق الواضح بين المسائل المتشابهة ، أو إضافة فائدة جديدة...

هذا مع إيضاح ما قد يشكل على الطالب في مواضع من بعض الشروح السابقة ، وفي هذه المواضع قد لا يقتصر البحث على مناقشة كلام شراح المراقي بل يكون البحث مع  مصادرهم التي اعتمدوا عليها في بعض المسائل المشكلة.
 وقد يتعرض الشيخ للجواب عما أخذ على بعض شراح المراقي ؛ كما في قول سيدي عبد الله "لما رووه من حديث خثعم" فقد بحث فيه بعض المعلِّقين بأن المرأة الخثعمية هي التي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حج أبيها وقد أدركته فريضة الحج وهو شيخ كبير ، أما التي سألت عن حج الصبي فلم تنسب لخثعم .  لكن نبه شيخنا في حلي التراقي على أن الإمام سيدي عبد الله تابع لغيره من الأئمة في نسبة المرأة التي سألت عن حج الصبي لخثعم ، وأنه لا معارضة في ذلك ؛ فقال :  تنبيه: نسبة الحديث المذكور للخثعمية صرح بها الشيخ ابن أبي زيد في مختصر المدونة في كتاب الحج في: "حج العبد والصبي وحج ذات الزوج"، وتبعه في ذلك غير واحد، كالقرافي في كتابيه: شرح التنقيح، واليواقيت في المواقيت، والحطاب، والناظم رحمهم الله، وليس هذا معارضا لعدم نسبتها فيما اطلعنا عليه من كتب الحديث، لأن ذلك مجرد إبهام، وكلام ابن أبي زيد بيان له، وإنما تحصل المعارضة إذا وقع التصريح منهم بكونها غير خثعمية، فيرجع حينئذ للترجيح؛ ثم إنه لا يعارض ذلك أيضا تصريحهم في حديث "المرأة التي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حج أبيها وقد أدركته فريضة الحج وهو شيخ كبير"، بأنها من خثعم، لاحتمال أن تكون المرأة التي أبهمت خثعمية أيضا. والله تعالى أعلم.
كما قد ترد مسائل استظهرها الشيخ في الدروس واطلع بعد ذلك على ما يؤيدها من كلام شيوخ الفن في الكتب المعتمدة ؛ فينسبها لنفسه ممتثلا في ذلك قول ربيعة لابن شهاب: «يا أبا بكر إذا حدثت الناس برأيك فأخبرهم أنه رأيك» ثم يذكر ما اطلع عليه مما يؤيدها.
ومما اعتنى به شيخنا حفظه الله تعالى في الشرحين تحرير الأقوال المعزوة لبعض المذاهب من كتب أهلها ؛ تحريا للدقة فيها وحذرا مما قد ينشأ من تساهل في إيراد أهل مذهب للأقوال المخالفة لمذهبهم.
ومن أمثلة ذلك المسألتان المنسوبتان للمذهب الحنفي :  قراءة القرآن بالعجمية في الصلاة ، والربا في الحفنة والحفنتين....

وقد اعتمد الشيخ شرحَ المصنف "نشر البنود" أصلا للشرحين ؛ خصوصا فيما يتعلق في حل البيت وتقرير معناه ، كما أورد فوائد وآراء مستحسنة لباقي شراح المراقي منسوبة إليهم.
أما منزلة الشرح الصغير من الكبير فهي ما أشيرَ إليه في العنوان البارز على غلاف الصغير من أن بينهما عموما وخصوصا من وجه ؛ فالشرح الكبير أغزر مادة وأكثر بسطا واسترسالا في البحث غالبا ، وفي الصغير تذكر خلاصة أغلب تلك المسائل بإيجاز مع الإحالة إلى الكبير في بعضها ، إلا أن الصغير قد يتضمن مسائل ليست في الكبير ؛ منها تصحيحٌ لما عرضت الحاجة لتصحيحه ، وإضافة فائدة أو زيادة تحرير من كتب الفن التي وردت بعد طبع الكبير. 
ومن مقاصد شيخنا في الشرح الصغير شكل متن المراقي ، وجعل ما تيسر من مادة الشرح الكبير في متناول الدارسين للمتن على اختلاف مستوياتهم. 
وكما أشار إليه شيخنا في مقدمة حلي التراقي فإن الشرحين منبثقان عن مجالس دروسه في فن الأصول ؛ فهي التي فرضتهما وكشفت عن الحاجة إليهما ، وهذا هو الحال في كتابين آخرين للشيخ ؛ هما : تسجيل التكرار وبذل الماعون فقد كانا نتاجا لمجالس تدريس النحو والبلاغة ومنها انتظمت مادتهما.
فالعلاقة بين مجالس درس الشيخ وتآليفه حميمة ، فهما من مشكاة واحدة ؛ هي بث علم ينتفع به على قدر الحاجة .

وبذكر مجالس الدرس وما لها من صلة بالتأليف ، واشتمال كل منهما على غرر النكت ودرر الفوائد  أتذكر هنا ما نقله الأبي عن شيخه ابن عرفة،  ويحق لي أن أنشد أبيات الأبي في شيخه متمثلا بهما في حالي مع شيخنا حفظه الله تعالى في مجالس درسه ؛ قال الأبي في الإكمال عن شيخه ابن عرفة رحمهما الله في هذا السياق: وهكذا كان يقول في مجالس التدريس، وأنّه إذا لم يكن في مجلس التدريس التقاط فائدة زائدة من الشيخ، فلا فائدة في حضور مجلسه، بل الأولى لمن حصلت له معرفة بالإصطلاح، والقدرة على فهم ما في الكتب، أنَّ ينقطع لنفسه، ويلازم النظر؛ انتهى.

ونظم في ذلك أبياتا، وهي:

إذا لم يكن في مجلس الدرس نكتة
 بتقرير إيضاح لمشكل صورة

وعزوِ غريب النقل أو حل مُقفَل
 أو اشكال ابدته نتيجة فكرة

فدع سعيه وانظر لنفسك واجتهد
 ولا تتركن فالترك أقبح خلة.

وكنت قلت في جواب أبياته هذه:

يمينا بمن أولاك أرفع رتبة
وزان بك الدنيا بأحسن زينة

لمجلسُك الأحظى الكفيل بكل ما
 علا حسنَ ما منه المحاسن جلت

فأبقاك من رقاك للناس رحمة
 وللدين سيفا قاطعا كل بدعة

وإني في قسمي هذا لبار»هـ
والحمد لله رب العالمين