
لقد هزتني كثيرا رائعة الشاعر الكبير المختار السالم أحمد سالم التي اختار لها عنوانا جليا لكنه موحيا "إلى الشاعر الكبير الدي ولد آدب" ليؤكد أن بناء منظومة الإنتاج الحضاري ، والمحافظة على السمات الأساسية ، للمجتمعات العريقة ، تستدعي من الجميع ـ أحرى في أوقات الاستلاب الفكري ـ عرض كافة الصفحات الناصعة، فالانتماء العميق لأي أمة لا يكون متجذرا إلا ذا ارتكز إلى وفاء أصيل ، وجهد مشهود وإلا كان تخلفا وجحودا، لا يليق الركون إليهما ، لمن يدرك أن للشعراء الأفذاذ أكثر من : ذمة ترعى وحرمة تصان.
ففي فترات ضمور العطاء تحتاج الأمم أن تسجل بشرف أي فعل مؤثر لتراكم عليه خصوصا أن الملاحم الكبرى لم تعد تحصل أبدا بين جيشين وحدهما ولكن بين ثقافتين وحضارتين ، لذلك فإن الشعوب الحية تكتب تاريخ أبنائها وتعترف بعطائهم وبجميلهم ،حقا مكتسبا ونكاية للعدو ، وتشجيعا لميزة الوفاء والتضحية والقدرة على توظيف المواهب خدمة للوطن والأمة.
لهذا يتأكد أن من ينزع إلى الفعل في مستقبل يتشاركه مع أمته ليساهم في تأكيد القمم وخلقها لا عجب إذا كان متمردا على ثقافةاللاجدوى ، النخبوية الشكلانية عند المثقف التقليدي المتنائي المتفرد الذي يجرّد المعرفة من كل معنى أخلاقي منصف .
فالرجولة ثبات على المبادئ، ونصرة للمواقف، ودقات نبض الحق في وجه الباطل ،وصمام أمان على أبواب الفضيلة ،وشوكة في حلق الرذيلة وسيف مسلول على أمراض القلوب والمستكبرين،
وهنا لا مناص أن تصبح أفكار هذه القصيدة مصدر إلهام أساسي للدولة والشعراء والمثقفين.
وقديما قيل: يكفي أن يكون في الصفّ الأمامي قلة قليلة من الرجال الأوفياء ليستقيم من عوج وتطمئن البقية على سلامة المسار .
ومع أن الشاعر المختار السالم اتبع في هذه القصيدة جملة الشروط التي وضعها النقاد والتي تمس جوانب البناء والنظم و اللفظ والمعنى حتى حازت في مطلقا على مراتب الشرف، فإنني أخترت هذه الأبيات تأكيدا لانحيازي "للتمكين للغة العربية وحملتها الشعبية بصفتي نائبا لرئيسها:
جَلَـبْتَ لِشَعْبِكَ الأمْجَادَ فـَخْراً
وَقَدْ أعْـطَــيْتَ شِنْـقِــيْطَ الـمَهَاباَ
قَد اسْتَحْضَرْتَ عُـقْبـَةَ في خِصَالٍ
وَلَلضَّادِ العَـزِيزِ فَـتَـحْتَ بَاباَ
بَكَ العَرَبيَّةُ استَقْوَتْ فنُوناً
وَتَارِيْـخاً تُسَوِّمُهُ عِــرَاباَ
نَــثَـــرْتَ مُـتُونها عِشْرِيْـنَ قَـرْناً
وقُلْتَ: "أنا لَها أجْلو الضَّبَاباَ"
ومِنـْـكَ تَسَنْـبَلَ الضَّادُ الـمُعَلَّى
سِلَالَ الرَّأْيِ والرُّؤْيَا صَــوَاباَ
وأبْـدَعْتَ القَصَائِدَ كَـلّ وَادٍ
تَـركْتَ يَـــبَابهُ بــَحْراً عُــبَاباَ
حَمَلْتَ إِلَــى السُّهُولِ ضِيَاءَ فَـجْرٍ
بِهِ لــذَّ الـهَـوَى عُمْراً وطَاباَ
حُرُوفُـكَ للرِّمَالِ نَدَى فُؤَادٍ
يَـمُدُّ لكلِّ عَـــــــاثِـرةٍ رِكَاباَ