يجمع "العصر" على أفعال وفعول، ولدى أعصار أهل انيفرار عادات وممارسات وطقوس ورثها الصغار عن الكبار، ومن أهمها اختيار العصر لسكن شبه ثابت قد يكون 'خيمة" لأسرة جديدة غاب بعلها، حيث يبادر أعضاء العصر إلى احتلالها قبل أن يطوى فراشها الوثير، ويجعلون منها سكنا، وقد يسكن العصر في خيمة شيخة برزة وحيدة، كحال "لغفال" مع تاتي بنت الولاية و"الفتيان" مع عيش فال بنت اكاه رحمة الله عليهما. ومن عادات الأعصار أيضا "التسخار" ومؤداه أن العصر قد يعطي تأشيرة دخول لشاب يصغرهم كثيرا في السن، بشرط أن يقوم بدور "السخار" فيجهز مستلزمات الشاي، من تطلاع، وجلب تلقيمة، وتوصيل كؤوس ، كما يقوم السخار أيضا بمهام أخرى تتعلق بجلب وجبات العشاء والسحور لكل فرد من أفراد العصر من عند أهله. وبالمقابل يتمتع السخار بالاستماع لحديث أعضاء العصر ونقاشاتهم الأدبية والفقهية، وإخوانياتهم، بشرط ألا يتدخل في الحديث ولا يضحك ولا يدسر، ومن أشهر السخارة الشيخ بباه بن اميه رحمه الله فقد أكمل نظمه في المدافن أثناء تسخاره لعصر الوسط، كما كان الشيخ دَنَّ بن حامد حفظه الله يسخر لعصر الفتيان طيلة مقامهم عند آل أحمدو بن حلاب، وحدثني الفتى الأديب محمدن بن عبدالله بن مناح رحمه الله، أن اهتمامه بحماسة أبي تمام وفتحه في أزوان يرجع فيه الفضل لتسخاره لعصر العالمين.
كان من عادة فتية "لسياد" أن يناموا قسطا من النهار في الخيمة التي يسكنون فيها، وبعد أداء صلاة العصر في المسجد يقصد كل واحد منهم أهله فيعينهم في مهامهم الروتينية، و يتناول الفطور معهم، وكانت وجبة الإفطار تتألف آنذاك من التمر والزبدة الطبيعية التي تستخلصها النساء من الأوطاب، إضافة إلى قداح الشوب، ثم تدار كؤوس الشاي، وبعد أداء صلاة التراويح يتناول الصائمون وجبة "أطاجين" وتكون في الغالب هريسة نفيسة يكثر فيها لحم الضأن والبطاطا، وأحيانا تكون الوجبة معكرونة مطبوخة مع الأبزار واللحم تعلوها حمرة وتتناثر فوقها قطع من بومبتير، و هذا الطبق يطلق عليه محليا اسم "الهندانه" وقد أشار إليه القاضي أحمد سالم بن سيد محمد في أبيات يمازح بها صديقه العالم محمد سالم بن يحظيه الملقب "أدُّمْ" والتي منها قوله:
إن كنت مطعمنا فاجعله مكرونه ** تكون بالمصلحات القشب مقرونه
بيضا وحمرا وصفرا قد تخيرها ** أبناء جـلُّونَ أو أبناءُ شَقْرونـه
واختر من الشاه شاها جيدا أرجا** فإن مكرونه مما طاب مطجونه
وقد وظفت هذه الأبيات في محاورات مختلفة الزمان والمكان والسياقات ولكن يضيق المقام هنا عن استعراضها.
ما إن ذهب الشيخ الأديب ول ألما بن امني إلى السنغال، حتى اقترح عبدو ول بك على رفاقه أن يسكنوا في "خيمتهم" فانتقل لسياد إلى السطارة، وقرروا أن يواصلوا عرض مسرحية التراويح الشعرية من مقرهم الجديد، وقد لاقى ذلك القرار ارتياحا لدى أعضاء بعض الأعصار التي تكبرهم في السن كالفتيان والخلفاء حيث سيمكنهم المكان الجديد من متابعة العروض من وراء حجاب.
كان رمضان في عشرايت الإبل وأشعة القمر تزيل الظلام الدامس، وتشجع الصائمين على الحركة ليلا، وكانت المشاهد الأولى من مسرحية التراويح الشعرية قد لاقت إعجابا منقطع النظير، وبات الجميع يحرص على حضورها أو سماعها على الأقل.
اجتمع الجمهور أمام خيمة أهل ألما، وحرص عبدو ول بكي على تنظيم خشبة المسرح، وتحضير إلاكسسوارات التي تحتاجها الشخصيات، بدأ العرض بعد منتصف الليل وأعاد التاه المشاهد الثلاثة، ولاقت استحسان الحضور، ثم قرر أن يأخذ قسطا من الراحة. وبينما كان لسياد يناقشون تحضيرات الشخصيتين التين اقترحهما كل من "أوفَّى" و"النَّيْدْ"، فاجأهم صديقهم التاه يتقمص شخصية الشيخ الصالح الشاه بن محمد سيديا بن الشيخ أحمد الفاضل، حيث قام بتقليد أغباده المعروف وهو يقرأ أبياتا من رائية امرئ القيس الجميلة:
لعمرك ما سعد بخلة آثم * ولا نأنإ يوم الحفاظ ولا حصر
لعمري لقوم قد نرى أمس فيهم * مرابط للأمهار والعكر الدثر
أحب إلينا من أناس بقنة * يروح على آثار شائهم النمر
يفاكهنا سعد ويغدو لجمعنا * بمثنى الزقاق المترعات وبالجزر
لعمري لسعد حيث حلت دياره * أحب إلينا منك فا فرس حمرْ
وتعرف فيه من أبيه شمائلاً * ومن خاله ومن يزيد ومن حُجُرْ
سماحة ذا وبر ذا ووفاء ذا * ونائل ذا إذا صحا وإذا سكر
ثم اعاد البيت الأخير موظفا النبر والتنغيم ثم صاح بعبارة الله أكبر محاكيا طريقة تكبير الشاه، فدخل الحضور في موجة عارمة من الضحك وتفاجأ لسياد من أداء التاه لشخصية الشاه وبراعته في التقليد
يتبع إن شاء الله
يعقوب بن اليدالي