"امريم منت اباه جات @ لاعليات احذيان
وكامت تظحك مودعات @ لعليات ال ملان"
جو النص يطغى عليه التحول بما في ذلك من تغيير للمكان وللزمان.
بدأ النص بالمسند إليه (امريم) مصغرا تصغير التحبيب، ومن معاني تقديم المسند تعجيل المسرة، ومن معاني التصريح باسم المحبوب الاعتزاز به، والتلذذ باسمه (منت اباه)؛ لتأكيد الاعتزاز بالمحبوب والتلذذ به.
المسند هو الفعل (جات) فاعله ضمير مستتر مفسر (امريم).
الفعل (جات) لازم عدي بحرف الجر/ اللام، لينقل بذلك تأثيره إلى (اعليات)، وهؤلاء "لعليات" "احذيان" بمعنى أننا أمام مجموعة حاضرة في مكان حاضر لم يحدد، هذه المجموعة تتكون من نسوة بزيادة الشاعر، غير أن الشاعر وظف شبه الجملة "احذيان"؛ ليبين أن بينه وبينهن حدا.
المشهد الثاني (كامت تظحك) الفعل "كامت" فعل مساعد، يضفي على الحاضر صبغة الماضي، والفاعل هو الضمير العائد على امريم.
(مودعات لعليات ال ملان) هذا هو المشهد الثالث.
المشهد الأول: قدوم امريم، ولا بد قبل القدوم من غياب؛ لأن الحاضر لا يقدم.
المشهد الثاني: ضحك امريم الذي ثبت عليه الشاعر الكاميرا؛ ليوعز لنا بأنه جعلها تتصدر الأحداث.
المشهد الثالث: دخول الشاعر في غربته/ غيابه، حتى لم يعد يرى إلا امريم، أين النسوة الأخريات؟ غبن، رحلن.. ذلك ما يوضحه استخدام اسم المفعول الذي يتقاطع مع البناء للمجهول في اقتضاء حذف الفاعل والإتيان بما ينوب عنه، ومن معاني ذلك الضنانة باسم فاعل الفعل؛ لوضوحه، ولأسباب أخرى متصلة بالصياغة الفنية.
النص إذن يمتد من حيث الزمان والمكان على النحو التالي:
- ما قبل حضور امريم: المكان هنا غائب وكذا الزمان، كل شيء بالنسبة لمريم غائب يقابل هذا الغياب حضور النسوة، إلا أن ذكر اسم مريم قبل فعلها (جات) يدل على حضورها الذهني بالنسبة للشاعر، فهي غائبة جسدا، حاضرة في ذهنه.
- "جات لاعليات": هنا نجد الحضور مكتوبا للفريقين.
- "كامت تظحك": هذه ذروة الصراع بين الحضورين القديم (النسوة) والجديد (امريم).
- "مودعات": هنا ينتصر الحضور الجديد / مريم.
الحضور والغيبة بالنسبة لامريم:
- غائبة حسا حاضرة في ذهن الشاعر.
- حاضرة حسا، وفعلا، لكن مع غيرها.
- حاضرة وحدها.
بالنسبة للنسوة:
- حاضرات حسا.
- غائبات عن ذهن الشاعر، فقد تحدث عنهن بنوع من التجاهل، استخدم النكرة/ اعليات.
- غائبات بعد تصدر امريم للموقف.
- غائبات مطلقا.
بالنسبة للشاعر:
- حاضر حسا غائب ذهنا قبل قدوم امريم.
- مستمتع بالصراع، وواثق من نصر المحبوب.
- غائب مغترب في عالمه.
الحضور يساوي الانتصار؛ وعليه تكون مريم انتصرت، لأنها الأكثر حضورا، فقد حضرت في ذهن الشاعر أولا وحضرت فعليا واستمر حضورها، أيضا انتصرت؛ لسيطرتها على وعي ولاوعي الشاعر، كانت فاعلا للأفعال الثلاثة الموجودة في النص، وصُرح باسمها وحدها، ونُسبت إلى أبيها، وصُغر اسمها تحبيبا، وقُدم.
لكأن الشاعر ذهب إلى صديقات لامريم يحتمل قدومها عليهن، فشغله عنهن فكره بها قبل حضورها، وشغلته عند الحضور وبعده!
أما شكل النص، فقد استعملت أغلب ألفاظه على حقيقتها، وانزاح بعض إلى المجاز، ولاحقت الأفعال حركة القص، وكثفتها، وقد خلا من الألفاظ الغريبة، وطغى عليه معجم السفر/ التحول، وترابطت أجزاؤه عضويا، فخرج "كافا من لبير أكلال" لا تستطيع أن تقدم فيه ولا أن ترخر، موسيقاه سريعة سرعة أحداثه، استخدم فيه المد بالألف مرات وذلك يناسب حالة الشاعر النفسية.
ثقافيا: النص يشير إلى حالة المغالبة المستقرة في اللاوعي الجماعي، ألا ترون أن مجمل معجم الغزل منحوت من مادة الحرب، والشعر الحساني في ذلك ربيب الفصيح، ثم إننا نميل في حياتنا إلى أن يكون كل شيء مأخوذا غلابا، فأهل العلم الوهبي أعلم من ذوي الكسبي، والقول أهم عندنا من الفعل، ونبرة التحدي أحسن إيقاعا لدينا من همس الواقعية، دون أن يكون ذلك نزعة ثورية مطلقة، ولئلا أطيل عليكم: هل تذكرون ما شوادي "بنجه" يرددنه في الأفراح؟ (ويلو ويلو...).
ثم إن تيمة الرحيل في النص تنفذ إلى عمق مأساتنا منذ انتقالنا كالريح بين الطلول في السِّفْر الأول من كتاب الرحيل، إلى السفر الجديد الذي أنزلنا "أرض الغرائب، [ف]هل ستكون لنا من جديد جذور"؟!
وختاما: النص غزلي نحا فيه صاحبه منحى العذرية، رغم نواسية التصريح. فكان من أحسن ما وقفت عليه - حتى الآن - من "آكواليل لبير".
___________________
صاحب النص الأديب المرحوم أحمدو سالم ول الداهي، أحد القلة الذين يتصرفون في "لبير" تصرف المالك في ملكه.