هل كان عبد الله بن ياسين اسود البشرة؟

أحد, 02/16/2025 - 14:09

 

 

طالعتنا بعض المواقع بتصريح للرئيس "بيجل ولد هميد" يقول فيه إن مؤسس دولة المرابطين الشيخ: عبدالله ابن ياسين الجزولي كان رجلا أسود.

ومع أنه لا علاقة للون البشرة بالأصل العرقي وإنما هي للاستدلال من باب الغلبة فقط، ورغم أن اللون لا يحدد أفضلية لصاحبه كما أثبت الشرع و التاريخ والواقع، رغم كل ذلك، إلا أن الأمر يستدعي بعض المناقشة لكشف اللبس وإظهار الحقائق التاريخية، فهل كان ابن ياسين بالفعل أسود البشرة؟

في مطالعاتي لأشهر كتب التاريخ التي تحدثت عن الدولة المرابطية لم أقف على أي وصف يستدل من خلاله على ملامح الرجل الخلقية من قبيل الشكل واللون.

ففي حين ركز ابن خلدون في كتابه "العبر وديوان المبتدأ والخبر" على دور بن ياسين في نشر المذهب المالكي وإصلاح المجتمع الصنهاجي، دون ذكر أي تفاصيل حول الصفات الخلقية، نجد أن أحمد الناصري في كتابه "الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى" يصفه بأنه شخص صارم في تطبيق الشريعة، زاهد في الدنيا، ذو هيبة وسلطان قوي، مما يعكس شخصيته القيادية، لكنه بدوره لم يصف ملامحه.

أما البكري، في كتاب"المسالك والممالك"، وابن أبي زرع في "الأنيس المطرب بروض القرطاس" فقد اتبعا نهجا يركز أكثر على إعطاء معلومات عامة عن الصحراء الكبرى وقبيلة صنهاجة بتفرعاتها، والشخصيات المرابطية المحورية، دون الدخول مطلقا في أي تفصيلة وصفية لأي من القادة المؤسسين

وقد دفعني الفضول إلى إلقاء نظرة على كتابات بعض المؤرخين الأوروبيين متمنيا أن أجد فيها وصفا لملامح الشيخ ابن ياسين، فوجدتها لا تختلف عن نظيرتها لدى المؤرخين العرب.

فرغم أن المؤرخ الفرنسي (Charles-André Julien): في كتابه "تاريخ إفريقيا الشمالية" (Histoire de l'Afrique du Nord)، تناول باستفاضة تاريخ المنطقة، بما في ذلك دور عبد الله بن ياسين في تأسيس الدولة المرابطية. إلا أنه أهمل الصفات الشكلية لشيخنا الوقور

وفي كتابه "المرابطون والإمبراطورية الصحراوية" (Les Almoravides et l'Empire Saharien)، يناقش المؤرخ الفرنسي (Émile Félix Gautier) نشأة الدولة المرابطية ودور عبد الله بن ياسين في ذلك، دون إشارة لملامح الشيخ من قريب أو من بعيد

عرَّجْتُ في تطوافي على كتابات أبناء الجزيرة الخضراء الذين يفترض أنهم أدرى الأوروبيين بملامح المرابطين بحكم المجاورة قديما وحديثا، فلم أعثر عندهم على ضالتي، فلا المؤرخ الإسباني (Julio Caro Baroja): الذي عاش مائة سنة بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، خصص جلها للكتابة عن المسلمين في إسبانيا وعنون بذلك أحد أهم كتبه " (Los Musulmanes en España)، الذي نالت منه دولة المرابطين الحيز الأكبر، وأخذ ابن ياسين من ذلك الحيز ما يستحق، إلا أن المُعَمِّرَ الإسباني لم يكلف نفسه عناء الإشارة إلى لون الشيخ أو تفاصيل قسمات وجهه

ولم يشغل الأمر المؤرخ الإسباني المعاصر (Ramón Menéndez Pidal): الذي ووري الثرى عام 1995، رغم إسهابه في كتابه "تاريخ إسبانيا" (Historia de España)، عن تأثير المرابطين في شبه الجزيرة الإيبيرية، وتركيزه على دور ابن ياسين في تأسيس الحركة المرابطية.

وهنا يحق لنا التساؤل عن المصدر الذي استند إليه الرئيس "بيجل" حين قال بأن ابن ياسين كان أسود البشرة. ولأننا متأكدون من عدم وجود مصدر تاريخي موثوق يتضمن تلك الفرضية، فلا يبقى أمامنا إلا اعتبار أنه اعتمد على الصورة التي تداولها البعض وكُتِب عليها اسم الشخ ابن ياسين، فما قصة تلك الصورة؟

الصورة ببساطة، هي لوحة بالألوان المائية للرسام الإسباني Josep Tapiró i Baró المولود عام 1838 في اسبانيا، والمتوفى في طنجة عام 1913، والذي عرف بهوسه برسم الإنسان المغربي، رجلا كان أو امرأة ومن كل الأعراق، وقد عنون اللوحة التي رسمها عام وفاته ب : رجل مغربي (Hombre marroquí) وذلك حسب ما أورد المصمم والكاتب الأمريكي Reed Enger، مؤسس موقع Obelisk المتخصص في تاريخ الفنون.

ومع أن موقع WIKIMEDIA COMMONS عنون اللوحة ب: A Haratin Man from Morocco (حرطاني من المغرب) إلا أن عنوانها الأصح هو: (رجل من المغرب).

وإذا كانت المراجع التاريخية لم تشر إلى لون ابن ياسين، ولم يكن للصورة المذكورة علاقة به كما بينا، فما الذي ربط بين الصورة والشيخ؟

الواقع أن هناك جهة أمريكية تتسمى (Akhase Organization) وتقدم نفسها باعتبارها " المكتبة الرقمية للتاريخ الإفريقي" تقوم هذه "المنظمة" بإنشاء مقاطع مرئية عن بعض الشخصيات الإفريقية، ومن ثم تقوم بنشرها على اليوتيوب والإنستا والفيسبوك، ومن ضمن مانشرت تلك الجهة مقطعا مدته دقيقة وثمانية ثوانٍ، تناولت فيه تعريفا مختصرا للشيخ عبدالله ابن ياسين، وقد استخدمت كغلاف لذلك المقطع صورة من اللوحة التي تحدثنا عنها آنفا، وكتبت عليها اسم الشيخ ابن ياسين.

من هنا نشأ الارتباط بين الصورة والشيخ حال كتابة اسمه في محركات البحث، وهو ما دفع البعض ومنهم السيد الرئيس -عن حسن نية بالتأكيد- إلى الاعتقاد بأن الصورة تحسد واقعيا ملامح ابن ياسين رغم عدم وجود ارتباط فعلي بين الإثنين.

وبما أن ابن ياسين تاريخيا و "فنيا" براء من الصورة المذكورة، فهل لنا أن نتخيل بناءً على الحقائق التاريخية صورة تحمل ملامح الشيخ؟

نعم، في الواقع يمكننا من خلال السياق التاريخي وخلفية الرجل القبلية وشخصيته القيادية أن نستنتج بعض الصفات المحتملة التي قد تمكن من رسم صورة له أقرب إلى الوقع.

كان عبد الله بن ياسين رجلا من قبيلة جزولة، وهي إحدى قبائل صنهاجة التي سكنت مناطق السوس في المغرب، ويتميز أبناؤها ببشرة بين القمحية والسمراء، مع ملامح قوية تتناسب مع طبيعة حياتهم الصحراوية.

أما من حيث اللباس والهيئة، فوفقًا لطبيعة عصره، يُرجح أنه كان يرتدي الجبة أو القفطان الفضفاض المصنوع من الصوف، وهو لباس متعارف عليه بين الفقهاء والزهاد في المغرب الإسلامي آنذاك، كما أنه بالتأكيد كان يرتدي اللثام الصحراوي الذي اشتهر به المرابطون ويغطي الوجه جزئيًا أو كليًا، وربما اعتمر عمامة، وهي من عادات العلماء ورجال الدين في تلك الفترة.

إذا أدخلنا هذه الحقائق و المعطيات إلى أي من برامج الذكاء الإصطناعي فسيعطينا صورة تقريبية للشيخ، لكنها بكل تأكيد لن تشبه التي تحدث عنها الرئيس بيجل.