لِمَ يكرهون المساجد
يعتبر Acropolisالذي يعني البناء العالي باللغة اليونانية و الذى ينتصب على شاهق صخري يرتفع 450 قدما عن سطح البحر, يعتبر رمز الحضارة والعمران في اليونان القديمة وكانت السيطرة عليه من قبل أي حاكم يوناني تعني فعليا سيطرته على اليونان كلها وتمثل بالتالي شرعية لحكمه
وكان هذا المعبد في الغالب مكان إقامة أو قصر للملك الحاكم، كما كان يستخدم قلعة عسكرية وموقعا يلجأ إليه سكان المدينة في حالات الطوارئ،إضافة إلى أنه يضم أهم أضرحة الآلهة اليونانية.
ورغم أن تاريخ أول تشييد له ليس معروفا بالتحديد إلا أنه يرجح أن يكون خلال الألف الثانية قبل الميلاد ليتعاقب حكام أثينا بعد ذلك على تدعيم مبانيه والإضافة إليها , إلا أن أكبر عملية إعادة بناء له والتي مازالت شواهدها قائمة كانت على يد المهندس المعماري Periclesخلال القرن الخامس قبل الميلاد حيث قام هذا العبقري بإعادة بناء ال Acropolis ليتشكل من أربعة مبان رئيسية وهي معبد البارثنون, وبوابة بروبيليون, ومعبد أثينا, ومعبد أريخثيون ليصبح ذلك الصرح أحد أهم وأشهر المعالم المعمارية في التاريخ القديم والمعاصر
لم يكن دوق أثينا نيريو أكيابولي يعلم حين اتخذ قراره سنة 1387 بالإنتقال للإقامة في الاكروبولس مخرجا بذلك منه رئيس أساقفة أثينا الذي كان قد اتخذه سكنا في عهد الصليبيين, لم يكن الدوق المسكين يعلم أن عيشه الرغيد فوق الصخرة المقدسة لن يدوم طويلا وأن ذلك سيكون على يد الأتراك أعداء اليونان التقليديين,
كان فتيل مدفع الدولة العثمانية الذي اشتعل مطلع القرن الثاني عشر قد وصل بيت البارود وانطلقت قذيفة الجهاد والفتوحات الإسلامية التي ما كان لشيئ أن يقف في وجها خلال القرون الأربعة التي أعقبت ذلك
وكان بايزيد الأول وهو رابع السلاطين قد اقسم لتوه - أثناء مراسيم توليه السلطة عام 1389- علي انه لن يتراجع عن غزو أوروبا قبل أن يطعم فرسه الشعير في مذبح القديس بطرس في الفاتيكان , ولولا غدر الخسيس علاء الدين أمير القرمان- وحظ السلطان العاثر الذي أوقعه في طريق النسر الجارح تيمور لنك - لأبر بقسمه
لقد استطاع السلطان بايزيد - الذي كان يلقب بيلدرم أي الصاعقة باللغة التركية - أن يوجه طعنة نافذة في صميم الكبرياء الصليبي عموما و اليوناني خصوصا وذلك بإستيلائه سنة 1394 على الآكروبوليس كجزء من الأراضي التي اكتسحها عقب نصره المبين على الصليبين في معركة نيكوبوليس
فر دوق أثينا المنحوس جهارا نهارا وقام السلطان الذي كان مغرما ببناء المساجد - في خطوة لها أكثر من دلالة - بإحاطة صرح الآكروبوليس الشامخ بالمآذن وحول معبد بارثينون إلى مسجد كان الأذان من خلاله يشق سماء أثينا خمس مرات في اليوم لتسمع كلمة حي على الصلاة مدوية في كافة أرجائها
لقد ارتبطت المآذن والمساجد – حسب اعتقادي- منذ ذلك الحين عند اليونانيين نفسيا بالهزيمة المدوية التي لحقت بهم وأعتقد أن ذلك الشعور المتوارث عبر الأجيال ولد ردة فعل تمثلت في معاداة كل ما يتعلق بالمساجد وأهلها
لكن استعادة الآكروبوليس ظلت هدفا حيا في نفوس اليونانيين بدأت ملامح تحقيقه تلوح في الأفق مع انطلاق أول شرارة في الثورة اليونانية عام 1821 وقد تم لهم ما أرادو على يد القائد الثائر أوديسيس أندروتسوس الذي بسط نفوذه على حدود الصخرة المقدسة بالكامل سنة 1833 ليستعيد اليونانيون بذلك سيطرتهم على رمز حضارتهم الأول بعد قرون من احتلاله من قبل الأتراك وليبدأ المسلمون اليونانيون رحلة معاناة لم تنته حتي يوم الناس هذا
في الطريق إلى المطار عبر شاطئ Glyfada حيث تترامى الفنادق الفخمة كان المصطافون يزدحمون على الشاطئ الفيروزي كازدحام النمل على فتات السكر
وصلت إلى المطار تمام الواحدة ظهرا ودون الدخول في أي طابور إستلمت بطاقة صعودي من إحدي ماكينات إجراءات الصعود الذاتية المنتشرة في المطار, ودعتني إحدي شرطيات مراقبة الجوازات بابتسامة تشبه إلى حد بعيد تلك التي استقبلتني بها أخري يوم أمس, الفرق الوحيد الذي خيل إلى هو أن الأولى حملت مغزى ترحيبيا في حين انطوت الثانية على ملمح توديعي, المهم في الحالتين أن ملامح الشرطية تترك لديك انطباعا بأنك شخص مرغوب فيه عكس ملامح صاحبنا التي توحي بأنك واتره الذي كان يبحث عنه لينال منه ثأره
أقلعت الطائرة عند تمام الثانية ظهرا, القيت نظرة وداع من النافذة حيث بدت البيوت المغطاة بالقرميد الأحمر والتي ترتمي بين أحضان غابات البلوط والسنديان كأنها حبات كرز بري في شجرة قطلب
من الطائرة وعلى ارتفاع 9,000 متر تبدو الجزر اليونانية الغاربة المتناثرة في البحر اللازوردي كقطع من الزمرد على منديل من الياقوت.
بعد أقل من ساعتين كان قائد الطائرة يعلن عن ضرورة شد الأحزمة استعدادا للنزول نحومطار مدينة اسطنبول