الدهماء ريم
الإبداع لا يليق به متوسط الرثاء ولا كل أنواع العزاء،.. ومع ذلك سأستدرك فائتة وأترحم على حلاوة روح رحلَت، كانت مُودَعة لمن تَسمَّى في حياته باب ولد النانه، فقد منحني فرصة الابتسام بصدق أكثر من مرة،.. أترحَّم كذلك على الحنجرة المهابة، الملتزمة بالذوق، ملك القدود صباح فخري،.. وقد دنا من قلبي مبكِّرا ونقش فيه أحاسيس جميلة،..
في يوم وفاته كان صوته غاصًّا بالشجن في مذياع سيارتي، وهو يناوِب بين الإيقاع السريع والطربي في رائعته "خمرة الحب اسقنيها"، لكني سأكتشفُ بعد لحظات أن السِّياق نَعْيه.. فكم انتشى معه مزاجي مسايرا لذّة الطرب،.. والنشوة أوَّل السُّكر!،.. يأسرني صباح حين يغني بالفصيح النقي في وصلات من العيار القاتل، ويعجبني أنه جانَسَ الفن والأدب، فكان من أمناء اللغة والهويَّة،.. ولا نظير له في لونه في عصر شهرته.
تمنيتُ لو أنه عاش أيامًا أُخَرْ، فقط، حتى خواتيم نوفمبر، ليشارك نشيد سورية العزِّ النَّصر على الأعراب ، حين عُزف لفريقها في خيمة أولئك.. هناك!،
رحم الله باب، ورحم صباح، منحانا من محاسنهما.. أمَّا عيوبهما فتشغلني عنها عيوبي.
في سياق غير متصل، وددتُ لو أنِّي لم أشهد أو أشاهد لقطات من الرمزين الحضرامي ولد الميداح وسدوم ولد أيده في مهرجان المدائن، وهما يغنِّيان كهواة في مكبّرات الضجيج، «گوَّاتْ ارْيامو»..، لا! ، هذه المرة ما هُمْ " كامْلاتْ".. ولم يكن "يوم التيدناتن" ذلك يومكما، كان الأنسب لكما الاستكفاء بشرف الحضور الرمزي الوقور كبقية المدعوين.
لوجداني علاقة خاصة بذلك السّدوم بالذّات، وأغار على صورته من نسيم البحر، تلك الصورة التي قاوَمَت الوقت وتغلَّبت عليه إيجابا، وهي الأكثر رمزية الآن في الفضاء الحسانوفوني.. Seddoume est un mythe. ، عُقِدَ له نصيبه من الخلود، بترتيب ثابتٍ في القمة،..
نظرتُ إليك مطوَّلاً وأنتَ على ركح المدائن، إتفرصي شِ ما نَعرفْ شنهو، لكنّه شيء ضرير، يقتل هالة الأسطورة فيك.. فأدَّيتُ تنهيدة صامتة عن ديمي، وتنهيدة أخرى مكتومة عن الخليفة،..
سدوم، اعذرني إنْ قسوتُ في الحميَّة، فإنك عندي اختصار التَّغني،.. ابقَ رجاءً ذاتك، وحيث كُنتَ تظلِّلُك كهوف قلوبنا، ابتعد عن الأعراس ولحْساسْ، والمجاملات والمُغريات، وعن الارتجال.. وإن كان لا بد من عودة، فلتكن بعمل فردي فخم، لك دون غيرك، فلم يبقَ مُعادِلٌ لك ليشاركك أو تشاركه بعد رحيل العمالقة.
سيدي، كل ظهورٍ لكَ حدث مُنتظر مُفرح، لكن بصياغة محكمة رجاءً، ولتَعْلَم أنَّ الحنجرة حتى ولو كانت ذهبية تحتاج - ككل شيء- للتأهيل بعد التَّعطيل.. وأنَّ الصورة حتى ولو كانت برَّاقة فإن الصيانة تَحْملِها على ما يَزينُها.. خليك في اخبيط الشاره وذاك اليم مثلا، فخشبة الفتوة تليق بك، غير ذلك مانعرف.
تحياتي.