تراودني منذ بعض الوقت فكرة فشل قادة الرأي وأصحاب الفكر المنتمين للحضارة العربية الإسلامية، في طرح السؤال المناسب لواقعنا المنفتح على أملنا، وهو السؤال الذي سيصبح الرد عليه فكريا ومنهجيا وعمليا، مدخلنا المبدع من أجل تحقيق الانطلاقة الموفقة لحضارتنا نحو مستقبل مشرف.
والسؤال المناسب هو أهم شيء يجب أن ينصب عليه اهتمامنا، رغم أن أغلب المتصدرين ومنتجي الكلام التوجيهي الواصل للناس في بيوتهم وشوارعهم، لايؤمنون بأن العقل والتفكير والإبداع بهما وفيهما هو طوق النجاة بالنسبة لأمة تغرق في لجة التخلف باستكانة إن لم يكن باستعذاب.
إن الخطاب الرائج عموما يجيب بشكل منقوص ومسطح على أسئلة طرحت وأجاب عليها الفاعلون التاريخيون، بطرقهم، وباشتراط أزمنتهم الثقافية بكفاءة أكثر.
ونحن لا نراجع تلك الأسئلة التي يجب أن تراجع صيغا ورؤى، ويتخلى عن بعضها لأنها استنفدت احتمالات الإجابات الممكنة، لطول عمرها، واتساع وتكاثر الإجابات عليها.
ورغم تلاحق الأحداث على أمتنا المتناهبة من كل حدب وصوب، ونتيجة لإصرار سادتها وقادة رأيها على تغييب أسباب الخروج من الكارثة خوفا على مجرى عاداتهم وتقاليدهم القاحلة، في كل الأحوال. ولا ادل على ذلك من نتائجها المريعة على الأرض والإنسان وقيمه المعرفية والتنظيمية والعملية؛
أرى بخصوص حكاية السؤال المناسب، أن من يسمون بقادة حركة التجديد العربية الإسلامية حينها، قد انحرفوا بأذهانهم عن سؤال أفضل إجرائيا من السؤال الذي طرحوه و ابتلع اهتمامهم كثقب ذهني أسود فلم يبرحوه حتى خرجوا من زمنهم في اتجاه خاطئ الاستنتاجات والنتائج.
السؤال الذي تبادر إلى أذهان قادة الرأي في نهايات القرن التاسع عشر ومطلع العشرين هو: (لماذا تقدم غيرنا وتأخرنا نحن؟)
لماذا، تاتي لمعان من بينها الاستجلاء والتعليل، والتعجب، والاستشكال الإنكاري..
وكل إجابة على سؤال لابد أن تخضع لمتطلباته ومساراته المفترضة. ولذا دار فكرنا ومفكرونا حول تعليل نكوصنا الحضاري، ولم يخرجوا من دورة التعليل (البحث عن علة التخلف) والتعجب من تقلب الأحوال علينا، والاستنكار على التاريخ، والتظاهر التعويضي بما كنا عليه.. فتاهت أذهاننا في متاهات اجتهادية تتحكم فيها عوامل الحماس والياس والتفاخر، والتعويض النفسي والتمجيد النرجسي.. وبالتالي ضلت الأذهان في الأحكام المعيارية، وكانت النتيجة تهالكا في مبدأ التنظيم، وجهلا مركبا في المعرفة، وعقما في القيم العملية، ومن ثم ترايدت عقدة الذنب لدينا، فاندفعنا نحو التبرؤ من حصيلتنا الحضارية، بيأس من الدنيا وطمع متردد بالعفو عنا في الآخرة.. لقد أدنا أنفسنا بحكم سوء النتائج، ويئس أغلبنا من الرحمة نتيجة عظم جرمنا الحضاري في الدنيا. وهكذا بنى سؤال التعليل متاهة الآراء السائدة ذات المردودية العدمية والقيمة الهبائية.
أرى في هذا السياق أن البحث عن أسئلة غير تعليلية كسؤالنا الأول للانطلاق منها هو الذي يجب أن يتنافس فيه المفكرون العرب والمسلمون.
ومن بين الأسئلة التي أقترح عليهم تجريبها كمخارج نجاة من الكارثة الحضارية التي نعمه فيها، سؤال (الكيفية) واقترح فيه صيغتين، إحداهما استقرائية وهي: كيف تقدم غيرنا وتأخرنا نحن؟ أما الصيغة الثانية فهي عملية واسنشرافية موجهة للمستقبل وصورتها:
كيف نتقدم كما تقدم الآخرون؟
هذا السؤال التابع لسؤال الاستقراء السابق يصرف انتباهنا نحو المناهج والخطوات العملية التي يجب ان نقوم بها للخروج من عين إعصار التخلف والتناحر والجهل، وأيديولوجيا الفقر العقلي والمنهجي والتنظيمي والمادي..
تبعا للسؤالين أتصور أن ثمة ثلاثة أسئلة تفصيلية هي مجاري الاهتمام المطلوبة للنهضة المرجوة حسب ما أرى، وهي بكل بساطة:
السؤال الأول في التنظيم والنظم وهو: كيف ننظم أنفسنا تنظيما مناسبا لعصرنا ولطموحنا المشروع نحو الأفضل على مستوى السلوك الفردي والجماعي والمؤسسي؟
السؤال الثاني الذي يجب أن نتنافس في الإجابة عليه هو سؤال المعرفة:
كيف نوسس مبدأ احترام العقل بمعناه النظري والتجريبي والخبري، في نفوسنا، حتى ننطق بلغة مشتركة مع العالم، إننا نتحدث لغة غير مفهومة لأن خطابنا في جوهره معياري تلفيقي لايخضع لأية نسقية أو مسارات عقلانية رغم تعلقنا بخطابنا المتهافت عقليا وافتتاننا به.
السؤال التفصيلي الثالث هو السؤال العملي، وصيغته هي:
كيف نحسن علاقتنا التطبيقية بالمبدأ الذي ندعو إليه بألسنتنا وحناجرنا على مدار الساعة؟ فان طالب أحدنا بالعدل مثلا كان هو عادلا، وإن دعا وطالب بالصدق كان هو صادقا، وإن دعا إلى الوفاء كان هو وفيا.. وإن آمن بمبدأ ما في أي اتجاه صدق سلوكه ما آمن به.
ذلك أيها الإخوة في الهم الحضاري هو وارد تفكيري في مطلع سنة هجرية جديدة من عمر حضارتنا العربية الإسلامية، بعد مرور 1440 سنة قمرية على إشراقتها الأولى.
تهنئة لكم على كل حال في أنحاء العالم العربي والإسلامي بالسنة الجديدة وأتمنى على مفكرينا وفلاسفتنا ومصلحينا الاجتماعيين أن يجيبوا على هذه الأسئلة أو يفكروا تفكيرا موازيا لصياغة أسئلة أخرى، فالمهم أن نبقى في حالة تفكير منهجي عقلاني المنطلقات، على الأقل في دنيانا التي تروغ منا، ونأتيها من حيث لاندري، فتزور عنا.
الدكتور محمد أحظانا
كاتبً
رئيس اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين