يقول فريدريش هيغل:
"تعلَّم من الأفكار التي لا تُعجبك"
تَدورُ مَقولة الفيلسوف الألماني "هيغل" حول ثلاثة محاور أساسية التَّعلم : بمعنى الأخذ و الدراسة و التمحيص
الأفكار : بمعنى النظريات و التجارب و الحقائق و الخرافات أيضا
الإعجاب : بمعنى السَّد الرافض لبعض التصورات و التوجهات حتى دون دراسة بل دون مُجرد السماع.
يُدرك الفلاسفةُ قبل غيرهم أن العالم بمعناه الصغير و الحصري الذي تمثله الكرةُ الأرضية وُجد قبل وجود الإنسان و بأرقام فلكية من السنين، و إذا كان هذا ما يتعلق بالإنسان بجنسه المطلق ، فكيف يُنظَر إلى حياة الفيلسوف الفرد العابر و كأنه ضيف يمرُّ مرورا لطيفا ؟
و هل يملك ذلك الضيف بدراسته و نظرته الحقيقةَ المطلقةَ، حول الأفكار و التصورات و الأساطير؟
و إذا توصلنا بالمنطق أنه لا يملكها و لا يُمكنه ذلك فلماذا يرفض تصورات مُختلفة قد تضيف مسحةَ توْجِيه و ترشيد لنظرته المُحببة ؟
عند ذلك يكون التعلم من تلك الأفكار واردا و بشكل جِدِّي ، لأنها تزيد زاوية الرؤية و تُضيف مساحة من الخيال و التفكير و قد تزيد الإدراك أيضا، كما يفعل العمل الجَماعيُّ في شتى المجالات و الأعمال، ألم يقل "ديكارت" :
"أجِدني مضطرا إلى التسليم بأشياء تقع خارجا عنِّي "
أي أنه يدرك و يرتاح بإدراكه، أنه ليس مسؤولا عن الظواهر و النظام داخل محيطه الكوني و هو بذلك يفسح المجال واسعا للجهل التام بتلك الظواهر و الأنظمة.
فما المانع من إدراك الآخر -مهما يكن حاله - لحقيقة ما أو فكرة صائبة ؟
علماء العالم الحديث يعتبرون أن المعرفة هي تراكم أفكار و تجارب و أخطاء ، عَبْرَ حقب الزمن المختلفة و الطويلة، وهم بذلك يجعلون الفرد العالِمَ مُجرَّدَ جزء بسيط -و لكنه مُهم - من حلقة من حلقات تلك السلسلة القوية و المترابطة.
و بالعودة إلى دور الإعجاب في قبول الأفكار ، ذلك الدور الذي قد يُفقِد الفكرة َ أركانها و مصداقيتها ،حين يُضفى عليها لمسة َالحقيقة و تَوارُد الإثبات و الحصانة ، و هو نفسه الذي يَنسف الأخرى دون حقائق أو تَحليل منطقي مُحايد ، الأمر الذي يسمح للعاطفة بأخذ دور المُصلح الحامي و المسؤول عن الصواب و نقيضه.
ذلك الإعجاب نفسه هو الذي يجعل الفرد العنصر الفاعل غَيْرَ قادر على تحديد أخطائه و تقويم قدراته الذاتية
و بالطبع لن يجد ذلك التقويم عند جَوقة المُعجبين و المُنضوين داخل مظلة نفس التيار ، بينما يمكنه استخلاص الأخطاء و العِبر أو بعضها من ذلك الفِكر المخالف و الناقد و كذلك تمكنه معرفة التقويم حتى لو كان بصورة غاية في المبالغة، فهو قادر على تمييز الحقيقي منها و المُزيف، و المساحة بينهما، و بهذا الإدراك يستطيع التَّدارُكَ و التحسنَ،
و هذا بالضبط ما يُسميه "هيغل" التعلم من الأفكار المُخالفة و التي تُشكل مِرآة عاكسة قد نجد فيها صورة تقترب من الحقيقة ، حقيقتنا المرحلية، أو درجة التأثير و القبول، و منهما تُولَدُ الصورةُ الخالدةُ عند المجتمع بشكل يَقترب من الشكل النهائي.