يقول الفيلسوف الاجتماعي الفرنسي
غوستاف لوبون :
" إن المحاجات العقلانية تَفشل عندما تقع في صدام مع المشاعر و العواطف ... لذلك تستمر الخرافات لقرون رغم تناقضها مع أبسط حدود المنطق "
المدخل الأول :
هل يُمكن للمُحاجات بجميع أنواعها أن تتخلص من العواطف و المشاعر؟
و هل الهدف من المحاجات الانتصار الذاتي أو الحزبي أو الفكري أم البحث عن الحقيقة و الصواب ؟
و هل قُبِل انتصارها من قبل؟
و هل اعترف أصحابها بفشلهم مرة واحدة موثقة؟
مفاهيم المحاجات و وسائلها ليست محل اتفاق بين المفكرين أنفسهم و الذين يُشكِّلون الصفوة الأكثرَ عقلانية و منطقا، فكيف يكون الحال حين تحضُرُ الخُرافات تجُرُّ أصحابها الأوفياء ، الذين يرون فيها كامل الحقيقة ، و تواتُرَ الصواب المُطلَق؟
تلعب الثوابت و الحقائق دورا فعالا حين يتعلَّقُ الأمرُ بالمُحاجات العقلانية، و هذه الحقائق قد لا تكون فعلية و لكنها موضعُ اتفاقٍ أوَّليٍّ بين المُتحاورين، الأمر الذي يَجلُب معه بذور تناقضٍ مَشهود!.
و حين نتحدَّثُ عن العواطف ، فنحن بذلك نتحدث عن جزءٍ لا يُمكن فصله حتى عن المُشاركة في الحديث ذاته،
ذلك أن التداخل يجعل الأمر في غاية الصعوبة على الفيلسوف المُتكلم فكيف بمُحاوره الذي لا يملك نفس قيَّمِ المنطق و لا تناسقَ الأسلوب.
و نفس الأمر يُمكن تطبيقه على المشاعر ، و قد يُضاف إلى ذلك ما تُقدِّمُه الحواسُّ و المَداركُ لأنها هي الأخرى لا تستطيع التخلص من الشوائب المُرافقة ، و القُصور الذاتي المادي و النفسي.
المدخل الثاني:
هل كل ما سبق يمكن إطلاقه على كل المحاجات بجميع أنواعها؟
أليس من بين المحاجات ما يُمكن أن نصل فيه إلى نتيجة منطقية قريبة
من الحقيقة؟
الخرافات أنواع منها ما يمكن أن نطلق عليه سذاجة ، و منها ما لا نستطيع نفيه إلى بفيض مشاعر و عواطف في حال هجوم و رفض،
فمن أين تملك الخرافات تلك القوة و الحصانة و القداسة في بعض الأشكال؟
فهل تجد قوتها من التقادم و التوارث؟
أم تجدها من الفراغ الفكري عند المدافعين عنها ؟
و الذين يَعتبِر الفلاسفة أنهم يدافعون عن أفكار آخرين زُرِعت فيهم دون شعورهم بذلك ، الأمر الذي لا يسلم منه الفلاسفة و لا المُفكرون دائما.
و بالعودة إلى مقولة الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون و الخرافات التي تستمر قرونا رغم تناقضها أو تعارُضها مع أبسط محددات المنطق ،
فأي خرافات يعني؟
قد يُطلق الفلاسفة الخرافات على كل ما لا يجدون تفسيره مُسايرا لمُنطلقات حدَّدوها خارج نطاق الدراسة، و يكون ذلك في الغالب عند صدامهم مع الدين و الموروث، و قد يقصدون بالخرافة المُثل التي لا تستند إلى أساس عقلاني رصين، و رغم ذلك تظل لها أعناق أتباع السراب ، و ضحايا التخويف خاضعة خانعة.
و الواضح أن العواطف و المشاعر من أكبر العقبات التي تُعِيق الوصول إلى تحليل محايد و دراسة منطقية جادة،
و رغم كل ذلك فهناك نسب نجاح تُشكل بقعة ضوء تزداد و تتوالد يوما بعد يوم، لتقف في وجه ذلك الصِّدام
الدائم و المُفيد في ذات الوقت حتى لا يتِمَ تجاوز أبجديات المحاجة التي تُشكِّل حجر الزاوية و نُقطة المُنطلَق.
