ابن رشد:
ابن رشد عالم أندلسي من أبرع علماء الفلسفة وهو طبيب، وقاضي، وفلكي، وفيزيائي .
يقول:
" إنّ المرأة كفء لأن تمارس أعمال الحرب وأعمال السلم معاً و إنها قادرة على دراسة الفلسفة و إن الكلبة الأنثى تحرس القطيع كما يحرس الكلب الذكر ،و إن المجتمع العربي لن يرقى إلّا إذا كفَّ الرجل عن استعمال المرأة لمتعته و قَصْر نشاطها على البيت "
ابن رشد عالم و مفكِّرٌ كَبيرٌ و فيلسوف مميَّز، و موضوع المرأة موضوعٌ قديم يتشابكُ فيه الديني بالاجتماعي و العرفي ... و الحديث عنها رأيناه مع سقراط و مع غيره.
موضوع عجز المرأة و قِصر فكرها تجاوزته الأحداث اليوم، و بيَّنت أنها قادرة و بارعة في الأعمال كالرجل تماما، فلها، كما له جوانبُ تفوقٍ مشهودة و معروفة.
و المثال الذي ساقه ابن رشد بالحراسة و دَوْرِ الكلب فيها و الكلبة، و إن كان التمثيل يحمل لغةَ عصره و وَسائله و أدوات اقتصاده ، فإنه في عصرنا صادمٌ لما له من تفسيرات و تقدِرات ، و ما يخْلقُ من نفور في النفس و الذائقة الأدبية من هذا التشبيه الضِّمنيِّ المفهوم من التمثيل بالحيوان، و أيّ حيوان ، إنه الحيوان الغريب المُرافق الذي يختلف الناس في رمزيته إلى فئتين متعارضتين تمام التعارض، و له تفسير وَحِيد في ثقافة و مجتمع ابن رشد بالذات، و هذا التمثيل يحمل أحد أمرين اثنين:
الأول شحنة الغضب و الجدال و المخاصمات التي كانت تدور بين ابن رشد و مُناوئيه في زمانه، فقد تكون وراء التمثيل بالسيِّئ فما بالكم بالأفضل.
الثاني أن تكون الثقافة المتداولة و القاموس الجاف الغالب على المجتمعات البدوية يجعلها لا ترى في ذلك نقصا ، فهي ليست مُتفرِّغة لتشذيب الألفاظ و الكلمات ، لأن ذلك يحتاج راحةً و اطمئنانا لا تُوفِّره الظّروفُ و المُعطياتُ المُتاحة.
و المفارقة التي تُثبتها التجربة اليوم و يقِرُّها مدربو الكلاب و القطط في العالَمِ المُتطوِّر أن الأنثى أكثر نفعا في هذا المجال من الذكر ، فالذكر حين يأكل يخلد للنوم و الراحة، و لا يكون له النشاط المطلوب في الحراسة و البحث و التّتبُّعِ ، بينما تظلُّ الأنثى يقظةً حذِرةً، و ربما تكون قدرته البدنية الفائقة مصدر ثقة و أمان، فيعتمد عليها في حال الخَطرِ المُفاجِئ و المُباغت، لكن ذلك ينقص دورَهُ المَنوط به و الغاية من استخدامه و تدريبه و الإنفاق الكبير عليه.
و بالعودة إلى موضوع المُفاضَلَة بين المرأة و الرجل و التي تُعَدُّ من أقدم المُفاضلات المعروفة ، فقد تبعتها المُفاضَلَة بين الجهات و الشعوب و الأعراق و الألوان ، بل تجاوزت ذلك إلى الأشكال و الأحجام و القصَرِ و الطول... في موسوعات كبيرة من التراشق و الأدلة الواهية و التحالفات الزمانية و المكانية.
فما الذي جعل المرأة موضوع نقاش دون غيرها ؟
و لماذا تم استهدافها ؟
و كيف استخدمت في ذلك النصوص و الموروث العرفي و اللغوي و الانطباع البدائي الساذج ؟
فأين يكمن نقصُ المرأة؟
و ما هي البراهين على وجوده ؟
يقول أحد المفكرين الغربيين اليوم :
إن المواضيع الساخرة في زماننا هذا أصبح يُحدَّدُ المقصودُ بها ، فلا يمكن أن يكون امرأةً لأن الناس و القانون و الجمعيات النسوية سيكونون في نَحْرِ الممثل الفكاهي،
و لا يمكن أن تَستهدف الأقليات العرقية أو الدينية أو الاقتصادية لأنها محمية بالأحكام المُحافِظة على رفض الحساسيات،
و لا يمكن أن تستهدف الأشخاص الخارجين على نظام الجنس لأن الحماية تشملهم أيضا.
و في بعض الردود الجميلة عليه، يقول آخر: إن الأمر واضح ففي الماضي كانت السخرية تستهدف المستضعفين ؛جسديا كالمرأة و المُستهدفين كالأقليات، و الآخر كالشعوب و الثقافات، و هذا النوع من الاستخدام الرديء للفكاهة لا يمكن استمراره في مناخ الحرية و الرأي المستنِير، و حقوق الإنسان.
و المرأة هي الركن الآخر من أركان بناء العائلة و التي تُشكِّل خلية المجتمع الكبير ، فكيف يتِم تَعطيلُ ركنٍ كاملٍ و انتظار نتائج في غاية التمام و الكمال؟
أليس هذا الخلل في البدايات يُحدِّد فشلَ و تراجع النهايات ، و يُصعِّب الوصولَ إلى الغايات المطلوبة ؟
جانب حرية المرأة و عملها ، ليس المِحوَرَ الوحيدَ في صراع الفيلسوف ابن رُشد مع مجتمعهِ و المفكرين و المُحافظين المعاصرين له ، ذلك الصراع الذي أُلِّفت فيه المُجلداتُ و المصنّفات ، و تناولَ بعض المفاهيم و التفاسيرِ للنصوصِ الدينة، و الجوانب الاجتماعية من عادات و تَقاليد ،و إن ظَلّ ابن رشد يُدافع عن تَناغُم الحكمة(الفلسفة) و الشريعة ، بل و رَوْعة العلاقة بينهما، في حين يحاول مُخالفوه- من وِجهة نظره- دفعَ العلاقة إلى الصِّدامِ و الصراع الدائم.
و يعتقد مثقفون كثر أن المرأةَ تم إقحامُها مرات عديدة في صراعات فكريةً و مذهبية دون تبرير واضح لاستخدامها كأداة للوصول لأهداف أخرى، و هذا جانبٌ آخر لم يجِد نصيبه من الدراسة المُعمَّقةِ ، و هو تَعْطيل المدافعين عنها دورَها في النقاش الفكري و المذهبي كمُشارِكةٍ و مُناقِشةٍ ،لا مجالَ نقاشٍ و صراعٍ،
فهم رغم دفاعهم المستميت عنها ، وَحدَهم الذين حَصَروا وَظيفتها الفِكرية الوحيدة كجزءٍ صغيرٍ من آلموضوعِ المُناقَشِ .
فهل تمَّ استغلال ظَرفيتها في السابق و الحاضر من جميع الأطراف بقَصدِ أو غيرِ قَصْدٍ ؟
ذلك سؤال وجيه، مهما تَفاوَتت نِسَبُ استغلال الأطراف، و مهما صَغُرَ شَكْلُ الاستغلالُ في أَعيُنِ فاعلِيه !.