فريدريش فيلهيلم نيتشه فيلسوف ألماني، ناقد ثقافي، شاعر وملحن ولغوي وباحث في اللاتينية واليونانية. كان لعمله تأثير عميق على الفلسفة الغربية وتاريخ الفكر الحديث. بدأ حياته المهنية في دراسة فقه اللغة الكلاسيكي، قبل أن يتحول إلى الفلسفة
من أقواله المشهور :
"الأنانيية هي هذا القانون المُحدِّد للشعور ، الذي على أساسه تكون الأشياء الأقرب هي الأكبر و الأثقل في حين أن كل تلك التي تبتعد تقِلُّ حجما و ثقلاً"
الأنانية كلمة كبيرة جدا من حيث الفعل الذي تُحْدِثه في صاحبها، و رد الفعل الناتج عنها من الخارج، و تأثيراتها الكارثية النفسية و الاجتماعية، و قد تتضخم إذا وصل المصاب بها مراكز القرار؛ السياسي كحاكم أو ممثل له أو مُؤسسة، أو كان صاحب القرار التعليمي أو الفكري، أو أي نوع من التحكم ،لأنه سيصبح كارثة آنية و مُستقبلية.
و يقال إن أحد علماء التربية أمر ابنه يوما بالنظر إلى جماعة في غرفة أخرى و مراقبتهم، لكن الولد صاح به لا أرى غير نفسي، هذا وجهي و هذا أنا، لأن الولد كان ينظر من المرآة الخطأ، نبهه الوالد إلى زجاج النافذة فنظر منه ، فرأى الناس، عندها قال الوالد أتعلم الفرق بين المرآتين؟
إنه طلاءٌ رقيق على هذه يجعل المرءَ لا يرى غير نفسه، و بإزالته ترى الآخرين و العالم، سمِّيه كبرا، أو سمِّيه حبَّ الذات أو أنانية، كلها تصُبُّ في نفس المسار و تخدُم نفسَ الهدف.
فما هي الأنانية؟
و ما هي أسبابها؟
و هل هي حالة طبيعية؟
و كيف تُعالج إن كانت مرضا؟
جميل حقا هو تعريف الفيلسوف نيتشه للأنانية ، حيث استخدم فيه الرياضيات و الفيزياء، و هذه العلوم رغم تعقيداتها و بُعدها أحيانا عن مُتناول العامة و غالبية المثقفين، إلا أنها تَحظى باحترام و شيءٍ من القداسة و التّصديق رسّخهُ دورُها السابق في خدمة العلوم الأخرى ، و عدم صدامها مع موروث المجتمعات الديني و الثقافي، و عدم تنافسها مع الإعلام و الشهرة و السياسة.
حين يقول نيتشه إن الأنانية قانون يجعل الأشياء الأقرب هي الأكبر ، هذا القانون معروف في الرياضيات المنظورية ذلك أن زاوية الرؤية تزداد اتساعا كلما ابتعدت عن نقطة انطلاقها، و بذلك كل مشاهَدٍ على مسافة أقرب يتصخم حجمه حسبه قربه، و يتضخم حجم البعيد و لكن بنسبة أقل تناسبا مع اتساع الزاوية بين الخطين الذين يحددان نهايتها في الجهتين الأفقيتين و الارتفاع الشاقولي.
لكن القول بأن الأقرب الأضخم في منظور البصر يكون أثقل ، فهو قول مجازيٌّ ، قياسا على الحجم الكبير، و قد لا يكون صحيحا دائما ، فتتحكَّمُ فيه كثافة المادة و وزنها الأصلي مقارنة بمادة الآخر البعيد و وزنها، لكن فكرة الفيلسوف نيتشه وصلت، و هي أن الشخص يرى فقط ما يسدُّ أفقه البصري هو الأهم و الأبرز ، بينما يذهب الثاني نحو التلاشي المطلَق، الذي يحمل عدم الأهمية.
الأنانية : قد تُعرَّفُ بأنها حبُّ الذاتِ المُبالغِ فيه، حبُّ الفرد نفسه ،الحبُّ الذي يَعتَبِرُ وُجود الآخرين و حياتهم و أفكارهم، و الموارد و غَيرها كلُّ ذلك وُجِدَ لمصلحته الخاصة، فإذا تحققت كان لهذه الأشياء قيمة و إذا لم تتحقق لن تكون لأيِّ شيءٍ قيمةٌ تُذكر.
و الأنانية درجات لأن الإنسان جُبِل على حبِّ نفسه و منفعته ، حسب إدراكه و معرفته، لكن هذا الحب لا يُمكن أن يكون على حساب الآخرين و حياتهم الاجتماعية و الاقتصادية و المادية، و حين يكون كذلك يكون حبا ظالما ، يحمل معنى الاستغلال و الاقصاء و الاستعباد.
فهل الأنانية خاصة بالأفراد فيما بينهم من تعاملات و توازنات اجتماعية و اقتصادية و سياسية؟
أم أن الأنانية تتجاوز ذلك نحو المجموعات و ربما الشعوب و الأعراق المختلفة ، التي تشمل الألوان و الأشكال و المَناطق؟
و هل هناك أنانية بين الدول و الإمبراطوريات الكبيرة في الماضي و الحاضر و ربما في المُستقبَل؟
إذا كان منشأ الأنانية هو ذلك الغرور و الإحساس بالتفوق و التميز العقلي أو العلمي أو العرقي أو الخَلقي، فإنها صفات قد تنطبقُ على المجموعات البشرية ، و قد شوهِد بعض ذلك في مجتمعات ديمقراطية متطورة، و أصبح يلبس أثواب الخوف على الأصالة ، و على قيم معينة كان المتحدثون إلى وقت قريب يعتبرونها نوعا من التخلف و الرجعية، و أن أصلها الخرافة و الأساطير،
فما الذي جعلهم ينقلبون بين عشية و ضُحاها رأسا على عقِب؟
هل هو حماية مصالحهم العرقية تحت مُسميات مَغلوطة؟
و هل ذلك بسبب خوف الفضيحة أو التشويه الإعلامي، أم بسبب تقنين القانون العام لهذه الأمور لحساسيتها و ما تَجلُبه من القلاقل؟
يمكن أن تكون الأنانية استخداما مُفرطا لجوهر الذات و تضخيمها و صاحبها يُدرك حقيقة ما يقوم به لجلب مصالح آنية، أو الظهور بمظر طاووسي أمام آخرين لهدفٍ اجتماعي أو سياسي ...و قد تصل الأنانية حالتها المَرضية فيكون الشخص غيرَ مُدركٍ لحقيقة أفعاله و تصرُّفاته، و لا يعي خطورة ذلك على حياته الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية.
و في النهاية فإن الأنانية في حالتها الفردية يُمكن تصنيفها كظاهرة سلوكية شاذةٍ، أو مَرضية، حالها حالُ أنواع من الجنون و الاضطراب النفسي، و النّوبات و التقلبات، و بهذا يظل تأثيرها محدودا.
لكن الجانب الآخر منها الذي يتعلق بالأعراق و الشعوب جانب في غاية الخطورة ، لأنه أوسع انتشارا و أشدُّ تأثيرا و فتكا بالسِّلم و الأمن، و عامل من عوامل هدم الحضارات و الدول.
و السؤال المطروح:
هل هذه الشعوب التي تنتمي إلى دول متقدمة و التي تدعو في حملاتها و أمام الشاشات إلى عنصرية تلبس العِرق الأصيل(أوروبا مثلا) و العِرقَ المُتغلِّب الجديد(الولايات المُتحدة)
هل تُدرك هذه الشعوبُ بساستها أنها
تؤسس لفوضَى قادمة، و أنهى تبذر بذور انتقام قادم، بدل تأسيس دولة العدل و الإنصاف الجميلة؟