ا
برتراند أرثر ويليام راسل إيرل راسل الثالث، فيلسوف وعالم منطق ورياضي ومؤرخ وناقد اجتماعي بريطاني. في مراحل مختلفة من حياته، كان راسل ليبرالياً واشتراكياً وداعية سلام إلا أنه أقر أنه لم يكن أياً من هؤلاء بالمعنى العميق.
الوفاة: 2 فبراير 1970
" أريد أن أقول في جدية تامة إن العالم الحديث يصيبه الكثير من الأذى نتيجة الاعتقاد بفضيلة العمل بينما أرى أن السبيل إلى السعادة والرفاهية ينحصر في الإقلال المنظم للعمل ولو أن الكادح في سبيل الرزق عمل مدة أربع ساعات يوميا لكان هناك ما يكفي كل إنسان ولما كانت هناك بطالة "
—-
هناك نظريات كثيرة حول العمل، بعضها يُقدسه، و بعضها يُفسره تفسيرات الضرورة، و بعضها يجعله في خانة الاستغلال و الاستعباد المنظم الدائم.
كل هذه النظريات تنطلق من فكرتها الحزبية و رؤيتها الشمولية العامة، و كل أصحابها يدافعون عن صدقية نظريتهم حتى في حال فشلها العام.
النظريات التي تهتم بالعمل و تجعله مقدسا، و تعطيه قيمة الحياة و ضرورتها تتناقض أحيانا حين نرى المنظرين و هم في أبراجهم الهادئة و أوقاتهم السعيدة و راحتهم التامة، و هم يجنُون أرباحا طائلة من الكادِّين أصحاب العَرَقِ النازف.
خلال الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 1929 م
كان من بين الحلول الناجحة جعل العطلة الأسبوعية يومين كاملين، مما يوفر الراحة التي تزيد همة العامل أولا، و تُعطيه وقتا للتسوُّق لصرف ما يدَّخره ثانيا، و تمنح فرصة عمل لعامل آخر ثالثا.
من بين النظريات الرائجة اليوم في العالم المتطور ، في مساطره النظرية، أن العمل لأربع ساعات بصفة جيدة تتمتع بالخبرة و المعرفة يمكن أن يكون بديلا للعمل لأوقات طويلة يتخلَّلُها الفتور و التوقف ، و يصيبها الملل الدائم.
هل كان العمل بشلكه الحالي ضروريا
لاستمرار الحياة و تطورها و ازدهارها؟
و هل كان العمل بشكله الجبار الذي قِيم به لمصلحة الإنسان باسمه العام و ليس الثُّلَّة القليلة المُتحكِّمة في الأرزاق و الأرواح و الوسائل؟
و هل شكَّل العمل بفمِهِ النَّهِمِ المَفتوحِ على أقصى قُدرته خطرا على المُناخ و الثروة و الموارد؟
كثير من العامة اليوم لا يعلمون أنهم باستنزاف المواد الأولية الخام من باطن التربة، يُشكلون خطرا على التوازن الطبيعي، و على ذاكرة الأرضية، و على تجانس العناصر، و يُثبطون عمل الطبيعة على معالجة مشاكل في أطوار مختلفة، بعضها شارف على نهايته، و آخر في بدايات المُعالجات.
الذين يقلبون التربة بحثا عن المعادن، كالذين يحرقون كتب التاريخ و الجغرافيا ، و يُدمرون الآثار، فطبقات التربة بتراكمها الطبيعي هي كتاب كبير و صادق، يحمل أسرار الماضي البعيد و القريب، و يمنح الدارسين فكرة عن المستقبل، و أنواع المعالجات التي قد تُفيدنا في مقاومة التّلوُّث و العودة إلى مُناخٍ مُساعدٍ على استمرار الحياة.
ما الذي انتجه هذا الكم الهائل من العمل في جوانب و أركان كوكبنا الكبير ؟
هل مكَّن الإنسان من بناء حضارة أكثر عدلا و رقيا و توازنا؟
و هل استطعنا التغلب على المشاكل البدائية؛ الجوع و المرض و الحروب و امتهان الإنسان للإنسان ؟
أم أن كل هذه الموارد الهائلة كانت من بين الأسباب التي زادت الجروحَ و الفوارق، و ابتكرت صدامات جديدة، و بشكل أكثر عُنفا و تدميرا؟
هناك دائما أسئلة تُطرح على الحضارة الإنسانية الحالية، و هي أسئلة مهمة جدا، و الجواب عليها ليس محل إجماع و لا اتِّفاق أبدا ، منها:
هل خدم التطور التقني بالعِلم التطبيقي الإنسان أم أساء إليه؟
ربما خرج ماردُ الصناعة من كفِّ مُصنِّعيه و إلى الأبد، ذلك أن أداةَ التحكم لم تعُد مَحصورةً بأشخاص معروفين ،بل انتشرت انتشارا مُخيفا، و هي في تطور هائل و سريع، و العبودية الجديدة أكثر فتكا و ظلما من سابقاتها، فهي تملك وسائل الاستمرار و الدوام، و قد تلاءمت مع قوانين العالم، و اكتسبت قبول أكبر الديمقراطيات الحديثة، حتى أن المُستعبَدين يؤدون عملهم و هم في غاية السعادة و الزهو براتب لا يُساوي شيئا من كم الربح و أرقامه الفلكية، هذا من جانب الربح، أما من جانب السلامة الظاهرية، فالعمال لا يُدركون حجم الأخطار المحيطة بهم خارجيا، فكم مزقت الآلات العملاقا أجساد عمال بسطاء، خرجوا بحثا عن قوت مجرد قوت يومهم الحالي، و سدِّ جانب من ديون البييت و السيارات و الأدوات و أقساط التأمين، تلك الأغلال التي تفرض عليهم استمرار العمل دون الحق في التفكير .
و هناك الأخطار المجهولة الصامتة، أخطار التلوث و المواد الكيميائة، و التي تُفرجُ صناعة الجهل عن بعضها بعد عقود، دون توضيح شامل.
قال أحد المسرحين يوما إنه يريد الاستمتاع بيومه و الجلوس على الشاطئ، لأن ذلك ما يقوم به الأغنياء من بلدان العالم المتحكِّم، و الفارق الوحيد أنهم بجانبه على رمال الشاطي، يتذكرون مرة كل يوم أنهم يملكون وثائق في خزانة قوية، و هذه الوثائق تُثبت مِلكيتهم لأبراج و شركات عملاقة، يقول المسرحي و أنا ليلا أنظر إلى النجوم فهي كواكب عامرة أملكُها ، و لا أحد سيسألني عن الوثائق، فأنا لن أبيعها يوما، إنهم مُستمتِعون بثرواتهم، و أنا كذلك،
و هم يخافون فقدانَها، و أنا مُطمَئن.