توماس بين
توماس بين هو ثوري وناشط ومنظر سياسي ومفكر أمريكي من أبرز فلاسفة عصر التنوير في الولايات المتحدة ومن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة. ولد في بريطانيا وهاجر إلى أمريكا عام 1774 عندما كان عمره 37، حيث اشتغل في الصحافة ،شارك في الثورة الأمريكية.
الوفاة: 8 يونيو 1809،
من مقولاته المشهورة:
"محاولة التحاور مع شخص تخلَّى عن أيِّ مَنطق أشبَهُ بإعطاءِ الدّواءِ لجُثَّةٍ"
الحوار
يحتاج الحوار دائما إلى أرضية مشتركة يقف عليها، و تتكون هذه الأرضية من المشتركات اللغوية و الثقافية و ربما الدينية و العرفية، و الجغرافية، فلا يمكن الحوار دون وجود لغة مشتركة يتم بها توصيل الفكرة، و لا يتم الحوار دون القدرة على سماع المحاور و فهم مراده بعيدا عن قبوله أو رفضه، فهما نتيجة تحصل حاصل بعد الحوار ، و بها تتحدد مواصفات النجاح و الفشل.
منظق الحوار هو القواعد الأساسية التي يتم عليها التوافق، و هي قواعد تفرضها الظروف السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية.. و هذه الظروف هي نقطة البداية، و بغيابها يكون الحوار فاشلا قبل أن يبدأ.
يُقال إن الإنسان حين يكون أكثر ثقافة فإنه يمتلك قدرة أكبر على سماع المخالفين، لأنه يملك حصانة فكرية، و قد يجد عندهم جزءا من الصواب،
و هو قادر على مقارنة الفؤائد و الخسائر المُحتملة، و بتلك القدرة يستطيع تقليل خسائره دائما، و الإنسان البدائي أو الثقافة المتحجرة و المُنكمشة على نفسها تجهل الخسائر و لا تعرف الأرضية، و هي بذلك تعيش خارج واقعها الحقيقي، أو تعيش الواقع بمعطيات و أدوات أصبحت من الماضي البعيد عند الثقافات الأخرى، و ساذجة و متخلفة.
فكيف يتخلى الشخص عن المنطق؟
هل بتركه و التنازل عنه؟
أم هو جهل المنطق ؟
و كيف يمكن امتلاك المنطق؟
الحوار الغالب في عالمنا اليوم تفرضه ظروف دولية ، أو اقتصادية.. و ليس نتيجة البحث عن التقارب في غالب أحواله ، هذا ما يتعلق بالدول و الشركات الكبرى، أما ما يتعلق بالجانب الإنساني فمازال هناك نوع من البحث عن الحوار لأهداف نبيلة و كريمة، تخدم الإنسان لأجل الإنسان.
فما الذي يجعل الإنسان يتخلى عن أي منطق؟
يُدخلنا السؤال الأخير في ثنائية الخير و الشر و أيهما أصل الإنسان، و هي ثنائية استهلكت الكثير من الوقت و الحبر دون أن يصل طرف من أطرافها إلى تقبل رأي الطرف الثاني، و إن كنت شخصيا أميل إلى طرف الخير دون السقوط في التعميم المطلق، إذ يوجد دائما استثناءٌ من كل قاعدة وخصوصا القواعد التي تُطلق على جوانب مجهولة حتى اليوم، و هي في غاية التعقيد و التداخل.
قد يصل الفرد أو الجماعة إلى درجة من العزلة المفروضة أو المختارة تجعلهم لا يقبلون أي منطق ، بل يرون المنطق هزيمة أو تنازلا عن قيم و أعراف، و قد يكون ذلك بسبب ظلم سابق تعرضوا له، و قد يكون بسبب ثقافة التفوق المتوارثة، و التي تنبِت دائما أشجارا شائكة، و هي على استعداد دائم للتصادم بسبب التوحش الخارجي و المعرفي السائد.
تحتاج المجموعات التي ترفض التفاوض إلى فترة دربة، أو بناء ثقة، و عالم اليوم في هذه الفترات يُحاول التدجين بدل إعطاء إشارات إيجابية، تجعل الآخر يزداد قربا و إنصاتا، فحين يجتمع الصدق و المبدأ الكريم، يخلقان أرضية خصبة في مشاعر المفترسات في الحدائق فكيف بالإنسان الذي يسمع و يدرك.
المنطق قد يحتاج منطقا لتمريره و قبوله، فالمنطق عند الطرف المتفوق ليس هو المنطق عند الطرف الثاني، و قد لا يقبله بشكله و لا بصفته، و لكن هناك قدرة دائما على أخذ خيط من أفكار الطرف الثاني و البناء عليه، لنصل به إلى بداية بناء مناخ لفكرة تكون أساس حوار ، حتى لو كان الخيط مُضحكا و ساذجا في صورته الأولية، فمع الوقت يمكن تحويله إلى صفة من صفات منطق سليم و مقبول.
على من يقع فشل الحوار حقيقة؟
هل يقع على صاحب الفكر الساذج؟
أم يقع عليهما معا و على ثقافتهما؟
أم أنه يقع على صاحب معجم المنطق الطويل؟
إن تحميل الطرف الأضعف و الساذج فشل أي حوار هو تحصيل حاصل لثقافة التجهيل و التهميش، و نظرية التفوق و شوائبها الكثيرة، لأن غالبية هذا الطرف لا تُدرك حقيقة أفعالها، و هي ليست مسؤولة عنها بالقدر الكافي، بينما الطرف الأول المُدرك لأفعاله و أقواله و الذي يملك القدرة على التصحيح و التراجع هو صاحب المسؤولية الكاملة، لأنه يملك مفاتيح النجاح و الفشل، فلماذا يَسد بابَ الحوار إذا كان الحوار نافعا؟
و إن كان الحوار للتسلية و إضاعة الوقت فهو مسؤول عنه أيضا باعتباره استعراضا في سرك لا يُناسب درجة التفوق العلمية التي يدعيها الطرف الأول، و يُبالغ في الفخر بها.
إعطاء الدواء للجثة
هذه العبارة وردت لتبيان استحالة تفاعل الجثة مع الدواء، رغم عدم شمولية تطبيقها، فالجثث اليوم تعطى أدوية تُساعد على تأخير تحللها و لو لوقت معين، و لكن هذه الجثة قبل وصولها إلى هذه الحالة الساكنة و الجامدة احتاجت للدواء، و كانت في فترات ضعف و استقبال، و لم تكن تملك دفاعا عن نفسها، فلماذا لم تُعط الدواء في تلك الفترة الحرجة؟
الحوار هو باب التقارب الذي لا يملك مخالبَ و لا أنياب، و هو من مميزات الإنسان، و يُشكل اللوحة الرائعة لحضارته و فكره و رقيه، و سموِّ عقله،
لكن هذا الحوار يحتاج التواضع لكي يرى الآخر لنفسه مقعدا فيه، و يحتاج التنازل لكي يجد كل طرف جانبا من النصر أو الربح، و يحتاج حَكَما لكي لا يكون الخصم حَكما ، و ينفرد بمصالحه و يستخدم تفوقه لتحوير النتائج، و يحتاج الحوار ضمانات ثابتة و مُحترمة من جميع الأطراف،هذا الحوار الكبير بين الدول و الشركات يمكن تطبيقه على المجموعات و الشعوب، و التيارات الفكرية، أما حوار الأفراد فيجب أن لا يتجاوز وقتُه انتهاءَ تناول فنجان القهوة في المقهي ، لأنه مشهد عبثيٌّ عابر، يتجاوزه روتين الحياة ، و يُنسيه الخلود إلى النوم.