الكذب...أوفر معروض / الدهماء ريم

أربعاء, 12/27/2017 - 16:51

لدي حساسية مفرطة من الكذب و من "اسْتخليط"، تطورت مع الزمن لتصبح حالة مُزمنة.. 
"المِستخلط"...الذي هو خليط مركّز من شخصيات تنكُّريّة ، مركّبة على شكل أنفاق مُعْتمة،.. وغير مريحة، له حَسنة واحدة ، وهي أن التعامل معه يعادل حِصصًا من الملاكمة الذهنية ،... يُحافظ العقل معها على لياقته العصبيَّة بالدّوران - كرأس مروحية - بين الغامض والمبهم، والرّمادي والأسْود بقفزات ارتدادية.. لقد وُجد لِنحْمد للطيبين نقاءهم.
أعشق النفوس المضيئة، التي قد قضَى منها النّور وطرًا ، و حدودي مع "المِستخلَط" أن أفْهم، والغاية أن...أسْلم.
أما الكذّاب؟... فحسنته الوحيدة اجتهاده في تعريَّة سيئته.
لا أحتمل الكذب.. ولا أطيق من يوفِّر ما بين فكّيه مهجعا آسنا لشتات الرذائل، بباب مشرع على كل النقائص.. 
ننْساق مع روايات الكذّاب من منطلق حسن الظن به ، نتعامل مع كذبته الأولى، ثم كذبته الثانية الضرورية للإبقاء على حياة كذبته الأولى، ثم يمينه الغموس المثبِّت للكذبتين، ثم مع تَبِعات هذه الدَّنايا : إفك، نميمة، تقوُّل، شحناء، مدابرة....فقطيعة رحم! ... والزّائف يتفرج بساديَّة على وقع كذِبه علينا. 
محاصرون بالكذب في القول و المعاملات والمجاملات، و بكميات ملوِّثة و خانقة... فمِلّة الصّدق تُحتضر... 
كوكتيل من الافتراء بنكهات متعددة، يمارسه الطفل بالعَدوى ، و الكهل بالتعوُّد، يعنو لعَرَضٍ من الدنيا ، كذب بِنيّة التلميع ، وكذب بسوء نيّةٍ للتقريع ... ولا يتدبَّرون أنه في كلتا الحالتين..قد " أحْصاهُ الله ونسوه " ... سُجّل وحُفظ جيّدا ليوم العرض.
يَجري الكذب في فم البعض طُلقا حتى يكذب على نفسه.. وهو أسوأ أنواع الكذب،... و يكذب البعض على الناس ويصدّق كذبه حتى يتوهمه يقينًا، فيعيشه واقعًا.. وهو أسوأ أنواع المرض، "السيكوباتية"... 
و يُسْلِم البعض عنان لسانه النّفاث لشيخه الشيطان، الذي سبق و راهن بثقة المتمرِّس عليه، فأقسم بعزَّة الله وجلاله ليغويَنَّه،... وفَعلها ، غير أنه بُهت من مستوى الاستجابة الوطنية لتلك الغِواية .. فالقطعيّ أنَّ إبليس فخور بموفور حصائد ألسنة مُريديه من أهل موريتان... وبتعدد مواسم الحصاد. 
زهّدني الكذب في صداقات عزيزة و قرابة أعزّ، تَصرَّمت، بعد أن أرهقهم طول الانتظار على رصيف سمعي المغلق ،.. فقد سئِمت احتمال تقويم ألسنتهم، وسئموا احتمال تكيّفي ..لقد تَعطّلت لديّ كل آلية يُحتمل أن تعمل كمستقبِل للكذب باسم الودّ أو التَّمدن،.. أيّامي لا توجد بها مساحة زمنِّية ولا وجدانية تقبل بالتَّحايل على هيبة الصِّدق أو التنكيل بكبرياء الحقيقة....
إن الدّرب الرابط بين أذني وعقلي ضاق كثيرا عن نفايات الألسن المعقوفة... أحجز سَمْعي للأوتار الدَّافئة، للأصوات الجذْلة، لِكَلام برائحة شهيّة، للكَلِم الطّاهر المكنون، ولجوامع الكَلم...، نقطة، وسأتَريَّث في العودة إلى رأس السّطر. 
....................................................
المؤسف أنه مهما أورقت الكذبة و أزهرت و قَوَت حبكتها لن تُحصَد إلا لموسم واحد فقط... إنهم لا يتّعظون.