جاء في خبر منشور في العدد الخامس من "الحولية الاستعمارية"، لسان حال المعهد الاستعماري الفرنسي، الصادر بتاريخ 15 مارس 1936م تحت عنوان: "مدرسة في أطار"، ما نصه: "تم مؤخرا إنشاء مدرسة جهوية إسلامية في أطار بموريتانيا تحت مسمى مدرسه. والهدف منها الحفاظ على العربية الفصحى بموريتانيا العليا، وتكوين نخبة من أهالي الأطراف لتأهيلها على التواصل معنا. وهذه المدرسة مقصورة فقط على أبناء الشيوخ والأعيان من البيضان ممن تتراوح أعمارهم ما بين 13 سنة كحد أدنى إلى 20 سنة كحد أقصى، على أن يكونوا حاصلين على تعليم قرآني حسن، فهذه هي شروط الالتحاق بالمدرسة. ويتضمن التعليم بهذه المدرسة دراسة اللغة العربية ونحوها والعروض والأدب والفقه والسيرة النبوية وتفسير القرآن والعقيدة. ومدة الدراسة أربع سنوات تتوج بدبلوم نهاية الدراسة. والإطار التربوي للمدرسة مكون من مدير مكتتب من بين طلاب مدرسة الجزائر ومن أربعة أستاذة يتم اختبارهم من بين علماء الشمال الموريتاني".
هكذا ورد الخبر في الحولية المذكورة، والواقع أن مدرسة أطار هذه تم افتتاحها من طرف الإدارة الاستعمارية الفرنسية بعد مدارس كيهيدي التي افتتحت سنة 1897 وبعدها مدارس سيلبابي وبوغي وبتلميت والمذرذره المتأسسة سنة 1912، ومدرسة تنبدغة 1933 لتفتتح بعدها مدرسة كيفه سنة 1939.
افتتحت مدرسة أطار بدايات 1936 وكان تلامذة الفصل الأول 16 تلميذا وقد تطور العدد ليصبح مع نهاية العام 39 ولن يفتتح العام الدراسي الموالي حتى يصبح العدد ستين تلميذا، وكانت دروس اللغة الفرنسية اختيارية في البداية لكنها ستصبح إلزامية؛ ذلك أن الحاكم الفرنسي العام لدول غرب إفريقيا جول بريفييه (Jules Brévié) رفض الاعتراف بمدرسة لا تدرس بها اللغة الفرنسية وأصر على أن يكون تعليم الفرنسية إلزاميا لذلك لم يمر عامان على تأسيس مدرسة أطار حتى أصبح تعليم اللغة الفرنسية إلزاميًا بها، وربما ساعد على ذلك ما ذكره الإداري بول ديبييه في تقرير له في الموضوع عن طلب أولياء الأمور والطلاب إضافة اللغة الفرنسية التي ألزم بها الوالي الفرنسي العام في غرب إفريقيا في نفس الوقت. لذلك لن نصل إلى سنة 1938 حتى يصبح الدرس الفرنسي المعتمد على كتيب مامادو وبينيتا ساعة في اليوم.
كان أول مدير لمدرسة أطار هو الأستاذ الجزائري مكي الجنيدي بن أحمد، وهو من مدينة سطيف، وكان بداية أول مدير جزائري لمدرسة بتلميت سنة 1922 قبل ان يحول إلى إدارة مدرسة المذرذره بسبب شكوى وبقي بالمذرذره حتى سنة 1928 حيث عاد للجزائر. ثم أعيد مرة أخرى لموريتانيا ليتولى إدارة مدرسة أطار غداة افتتاحها. وكان ثاني مدير لها الأستاذ الجزائري بوعلام ولد رويس (توفي 1993) وهو من مدينة المدية بالغرب الجزائري وقد تم تعيينه في أطار بعد أن كان مدير مدرسة بتلميت ليخلفه هناك مصطفى بن موسى. وقد تزوج بوعلام في موريتانيا وهو والد البروفيسور بشير بوعلام احد أشهر أطباء العالم ويقيم بنيويورك الآن. والبروفيسور له علاقات قرابة بالعديد من الأسر الموريتانية.
وفي سنة 1942 تم تحويل بوعلام ليخلفه السيد عبد الرحمن النقلي (توفي في فبراير 1990) ثالث مدير جزائري لمدرسة أطار وقد ظل النقلي مديرا لمدرسة أطار حتى سنة 1947 وهو في الأصل من منطقة القبائل الصغرى. ويشتهر عند الموريتانيين بلقب المدير، وقد اندمج رحمه الله في المجتمع الموريتاني وتزوج بشنقيط وصار الموريتانيون أخوال ذريته، قبل أن يعود للجزائر منخرطا في صفوف الثورة ليعين بعد الاستقلال الجزائري في السلك الدبلوماسي (صورة النقلي رقم 3).
وفي سنة 1943 تم تحويل المؤرخ المختار بن حامدٌ أستاذا بمدرسة أطار بدل محمد بن عبد الله الذي تم تحويله لمدرسة كيفه (انظر الوثيقة الثانية).
وقد ذكر المختار بن حامدٌ أول مجلس له مع المدير عبد الرحمن النقلي في مقامته الأطارية عندما قال فيها: "فدخلت من فوري على المدير * وتمثلت بالبيت الشهير:
فألقت عصاها واستقر بها النوى ۞ كما قر عينا بالإياب المسافر
فلقيني بوجه رحب * ومنطق عذب * وآواني إلى بيت وضيء * وفراش وطيء * قد ظوهرت الفراء فيه * ونثرت الوسائد في جانبيه * وأحضر للسلام علي التلامذة * ولإكرامي الأساتذة * فلو رأيت السكر إذ كسر * والمفتول الأخضر إذ أحضر * والكاسات إذ صفت * وبالإبريق حفت * وأقعدت الطابله * مقعد القابله * وجاء المغراج غاليا * وعلى الكانون عاليا * وقام الفتى محفوظ يدير * وهو عن يمين المدير * وعن يمينه ابن المنير * وبين يديه سراج منير * وسيد محمد إلى اليمين * وإلى يمينه هذا المسكين * وعن يمينه العالم * الأستاذ محمد سالم.
والشخصيات المذكورة في هذا الملجس بالإضافة إلى المدير عبد الرحمن النقلي ومؤلف المقامة المختار بن حامدٌ هم: محفوظ بن أحمد سالم بن ببوط الغيلاني (توفي 1997م)، وكان من بيوتات الرئاسة في أولاد غيلان، ومن رجال الشأن العام ورجال الإدارة الأوائل. وأحمد بن عبد الله بن المنير العلوي الشنقيطي (توفي 1998م) وهو من رجالات العلم والمعرفة وكان من رجال الدولة كذلك، شغل عدة مناصب مهمة في الإدارة الموريتانية. وسيد محمد بن عبد الرحيم بن الشيخ أحمد بن الفالي الديماني (توفي 1991م) وقد جمع بين الأمور العامة والاهتمام بالعلم وشغل عدة مناصب إدارية. والقاضي محمد سالم بن الحبيب بن الحسين بن عبد الحي الركيبي الملقب "اباه" (توفي 1962م) وقد اشتهر بالعلم والتدريس وبيته بيت القضاء في الركيبات. ترك عدة مؤلفات في الفقه والتاريخ وغيرها.
والشكر موصول لأخي أبو العباس ولد ابرهام لتزويدي بوثيقة تحويل المختار بن حامدٌ المنشورة.
الصورة الأولى: خبر تأسيس مدرسة أطار.
الصورة الثانية: قرار تعيين المختار بن حامد مدرسا في مدرسة أطار.
الصورة الثالثة: السيد عبد الرحمن النقلي ثاني مدير جزائري لمدرسة أطار.
الصورة الرابعة: أطلال مدرسة أطار بكنوال.