وجدت اللغة العربية أرضاً طيّبةً في غرب إفريقيا، عند بزوغ فجر الإسلام فيها، فتنفّستها رئاتُ النّاس فصاحةً وبلاغةً وشعراً، وهو ما نتجت عنه ثمارٌ يانعةٌ، وأغصانٌ مثقلةٌ بالعطاء، وطيورٌ تقف على تلك الأغصان وهي تتجلّى بشدوها وشجوها، وانطلقت منها طيور القصيدة عابرةً الآفاق، معلنةً كنوزاً غاليةً تضمّها تلك الأرض المعطاءة، وهي تقف بزهوٍ لتصنع الدهشة على منابر القصيدة في مدنٍ تحتفي بديوان العرب وتثمّنه.ولا تزال الأسماء الشعرية في منطقة غرب إفريقيا كنوزاً مخبوءة في ذاكرة الأيام والسنين، فتغري بالاكتشاف ومن ثم استحضارها وتذكّرها والبحث في أسباب نجاحها؛ فكعب اللغة العربية في هذه المنطقة ارتقى إلى المستوى الأعلى في القيام بوظائف التمثيل الجمالي فيها، وامتدّ تراث العربية ليثري ثقافتها، ويجسّد حالات شعرائها بالرؤى الفلسفية الممزوجة بالإيقاع الخفيّ والظاهر، حيث تشرّب شعراء غرب إفريقيا الفكر الشعري العربي، فنظموا في أغراضه، وحلّقوا في فضاءات مضامينه بأخيلتهم ورؤاهم المنسجمة مع البيئة، وبخاصة الرثاء؛ فكان رثاؤهم ندباً وتأبيناً بصدق وعفوية. وقد عرفوا الأصول الفنية للتقاليد العريقة للشعر العربي والتراث الجاهلي ومعلّقاته ومذهّباته، فنجد ملامح الشعر الجاهلي تتجلّى في إبداعات شعرائهم الأوائل، وقد استوعبوا الألحان الشعرية العربية، فضربوا على أوتار قيثارة المتنبّي وأبي تمّام، وبدائع ابن الفارض والبوصيري، وقد تمثلوا مراحل الشعر العربي بكل قوالبه وأنغامه، ضمن انتمائهم العربي الإسلامي، والتحموا بواقع الشعر العربي وشعراء المشرق، وتنقّلوا بين الأغراض الشعرية من المديح إلى الرثاء، والفخر، والغزل، والحماسة، والشكوى، والحنين والمدائح النبوية بتقنيات مبتكرة متجدّدة، ما يجعل الشعر في غرب إفريقيا له مذاق آخر، فقد حظي باعتراف بما استحقه من تكريم.
ولأن هذه المنطقة زاخرة بالكنوز الشعرية، فقد وجه صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بتنظيم ملتقيات شعرية في إفريقيا تشجيعاً للعطاء الشعري، بما يتماشى مع نهج الشارقة في استقطاب المبدعين كافة في الشعر، لأنّ التوجه نحو إفريقيا دعم حقيقي للغة العربية المنتشرة في هذه القارّة التي توهّجت فيها الإبداعات الشعرية، وتكشّفت فيها المنجزات اللغوية بما يختزل المسافات، ويقارب المسارات، ومن ثمّ الكشف عن العباقرة من المبدعين وما يرونه من قصائد تنطق بلسان عربي مبين، بما منحهم الله من مواهب أتاحت لهم أن يبرزوا كفاءتهم اللغوية في الشعر العربي.
وكان لبيت الشعر في دائرة الثقافة، دور في تناقل سير كثير من شعراء غرب إفريقيا، واستضافتهم منذ وقت طويل، ضمن المشاركات والفعاليات التي تقام على ضفاف الأنشطة المقرّرة، ومنها مهرجان الشارقة للشعر العربي؛ فقد أخذ تواصلهم اهتماماً، وجرى الاحتفاء بنصوصهم الشعرية ولغتهم العربية الناضجة الفتية، لأن نماذجهم الشعرية المبهرة امتداد للأجيال في غرب إفريقيا، وهو ما نلمسه في الواقع، حيث أبهروا الجمهور في الأمسيات بأصالة شعرهم، فقد بدا واضحاً شغفهم بالعربية وآلياتها المجازية بوعي وعمق وحيوية، ومهارة حقيقية في توظيف تقنياتها بأبعاد جمالية على كل المستويات.
إن الشعر في غرب إفريقيا ينطوي على ثروات لغوية كبيرة، حثت على الفضائل، وأبرزت سحر البلاغة ومتعة الجمال، ونسجت منظومة من القيم أسست لشرعية القصيدة كما ينبغي.