د. بدي أبنو
مدير معهد الدراسات العليا في أبروكسيل
يلتقي في هذه القصيدة الملحمية فعلان متكاملان في مشروع المختار السالم أحمد سالم. أحدهما ليسَ جديداً، في المستويين الإبداعي والنظري، على الشاعر وجيله منذ صدور قصائده وأغانيه الأولى في أواسط الثمانينات من القرن الماضي. وهو فعلٌ يصدر عن الرغبة الجامحة ليس فقط في إكمال القطيعة مع الموروث العمودي عبر إنضاج الأشكال التعبيرية والإيقاعية البديلة وإيناعها، ولكنْ في تثوير الشعر العمودي نفسِه من داخل بنيته الخاصّة. أما الفعل الثاني فيدشّن لحظةً تبدو بكرا في المشروع: إنها إعادة استثمار مفهوم المعلّقة القديمة في مسار تثوير العمودي، في مسار الاختراق الحداثي للعمودي عبر فعلِ إحياءٍ موازٍ ومحايثٍ في آن.
القصيدة هنا تصرُّ من جهة على تعدّد أشيائها البدئية، على تعدّد أدواتها وأناشيدها ولكنْ أيضا على وحدتها. إنّها في هذه الثنائية تستدعي العمودية في صورتها الأولى (وحدة الوزن والقافية إلخ) وفي رحلتها التائهة تطوافاً في الزمان والمكان لتعطي هذه الثنائية ثالثا جدليا يمنحها نسغا جوهرياً واحدا من الكلمة إلى الكلمة، يمنحها أفقاً جامعا، أفقاً خلف الأفق.
إنها قصيدةٌ وعدٌ، تخاطب الأملَ المستحيلَ وتسـتنفِرُ له وَبِه. تحوِّله رغم تمنّعه إلى حليف لقارئها. حليف صعب المراس ولكنه حليف لا يغلق الباب أمام الصور والدلالات. وبذلك يكون للوعد في حقل المعنى وجود، وتكون القصيدة شيئا آخر غير القصيدة، شيئا آخر لا مجال فيه لسلطة الموروث وسلطة اللغة ككيانٍ غيري، تكون القصيدة شعراً، أيْ وجهة وسبراً واكتشافاً.
_______
نشرت هذه الكلمة على الغلاف الأخير لديوان "السالمية".