متابعة لما مر في التوريقة الماضية عن قانون (تاء / تاء)، والذي أراه تفسيراً لديمومة الذهنية النسقية في الثقافة البشرية، وذكرت فيها أن التعاقب قروناً بعد قرون، والتواتر ألسنةً على ألسنة، هو ما يثبت النسقيات، وقانون (تاء / تاء) يعني التعاقب والتواتر، ولكن هناك دراسات تؤكد على أن العنصرية غريزة، والملاحظ - واقعياً- أن الرجل الأسود، مثلاً، يفاضل نفسه ضد الأسود الآخر، وضد الأبيض، وضد المرأة، تماماً كما يفعل الرجل الأبيض ضد كل أولئك، بل إن المرأة تفاضل ضد المرأة الأخرى، كما تجاري الرجل في عنصريات ضد الفئات الأخرى، يعني الكل يفاضل ضد الكل، بمثل ما أن الكل يشتكي من الكل بتهمة الإقصاء والطبقية، وتلحق بهم الثقافة نفسها، بكل خطاباتها؛ إذ تخضع للضاغط الغريزي، وتشترك العاطفة والعقل معاً في تلبية الرغبات العنصرية، بل تزيده تبريراً عقلانياً، كما فعلت الفلسفة منذ أفلاطون، ومن تلاه في العصور كلها (ضد النساء والعبيد)، مع ظهور الشعبوية في هذه الأوقات، معتمدة على النفي والإقصاء، وبناء الجدران، لفصل الجغرافيا عن بعضها، ولو نظرنا لحال العقل مع هذه الحال المرضية، فسنجد تبريرات تعقلن هذه الرغبات، وتتخذ التبريرات صيغاً فلسفيةً تمتد منذ بداية الفلسفة، وإلى الخطاب السياسي المؤدلج شعبوياً اليوم، ويقوم على تصوير التحيز تحت أعذار اقتصادية وأمنية، تعزز العزل والإقصاء. وربما تكون العاطفة هي الأقرب من العقل في تخفيف جرعات العنصرية، فالتعاطف الإنساني أثبت أنه أقرب للتراحم والتجاور والتآلف، ورجال مثل مارتن لوثر كنج ومانديلا، مثلا، أظهرا عاطفة إنسانية مع البيض، ومالا لنشر ثقافة التسامح، وكل دعاة السلام والمحبة - عالمياً - يظهر عليهم دور العاطفة الإنسانية، مما يعني أن العاطفة هي الأقوى تأثيراً في نشر الوئام بين البشر، ومع الحيوان والبيئة كذلك. ولكن العاطفة نفسها لن تسلم من الطبقية، حيث تجري دوماً مفاضلات تنزل العقل منزلة أعلى من العاطفة، وتستهين بكل أمر عاطفي، وهذه مباراة أزلية في نسقية التفاضل بين البشر والبشر، وبين المفاهيم والمفاهيم. ولن يواجه هذه الحروب النسقية إلا التأسيس للهوية الذاتية.