في هذه الأيام التي استيقظنا فيها على شيء يقول إن اللغة العربية لغة أجنبية في موريتانيا، وتوكل قضية مصيرية مثل اللغة إلى السياسيين بدل الفلاسفة والمفكرين، وفي سياق هذا الجدل اللغوي المريض لا يمكننا إلا أن نبين عدة نقاط حول الحقيقة من منظورها، وذلك على النحو التالي :
أولا :
لنتحدث قليلا - لا بما نحن متخصصين وإن كنا كذلك- عن اللغة، نحن بهذا الدال لا نقصد لغة محددة، بل اللغة بما هي ظاهرة بشرية، فماهي اللغة؟
"اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم"، كما يعبر اللغوي القديم ابن جني، وكيف نشأت اللغة، أو بعبارة أخرى لماذا يملك الإنسان لغة؟
إن نشأة اللغة بغض النظر عن تواضعيتها أو إلهاميتها تعود إلى مفهوم (الحاجة) حاجة الإنسان للاجتماع- هذا قبل ابن خلدون- إذ أكد أرسطو قبل ذلك حتمية اجتماعية الإنسان واستحالة عزلته.
إذن علاقة اللغة بالإنسان علاقة الكائن الحي بالحياة علاقة النباتات بالهواء، فالإنسان حين لاحظ نفسه في هذا الوجود لاحظ حاجته ل(أشياء) كثيرة، سواء أكانت تلك الحاجة متمثلة في حديث عن الأشياء أو الأفكار، أو وصفها، أو حاجة إليها هي ذاتها..
عندما وجد الإنسان نفسه بحاجة إلى الأشياء (الأشياء بمفهومها الفلسفي العام) والأشياء ليست متاحة له كلها، كان لزاما عليه أن يجد وسيلة لسد هذه الحاجة عنده، فمثلا يفترض أنه كان الإنسان في وعيه البدائي عندما يريد شيئا؛ يرسمه أو يشير إليه إن كان موجودا حسيا، لكن هل كل الأشياء تُرسم؟ وهل كل ما نود التعبير عنه حسي؟ لا بالتأكيد هنالك عكس ذلك.
فمثلا هنالك أحاسيس وهنالك حالات نفسية يمر بها الإنسان لا يمكنه إظهارها هي بذاتها؛ كالحزن والفرح والخوف والغضب، وإن كانت الملامح البدائية تعبر نسبيا عن شيء من ذلك، لكن بقي الكثير مما لا يجد الإنسان وسيلة للتعبير عنه في مقابل أشياء حسية يعبر عنها عند الحاجة بالنقوش والإشارات والرسم إلخ
ما الذي لم تكن هذه الرموز والإشارات قادرة على التعبير عنه؟
كثير، مثلا مفهوم الإله ومفهوم الملائكة وكل المفاهيم العقدية البشرية، وكذلك الأفكار والحالات العقلية المجردة والأموات..
هذه لا يمكن إظهارها فكيف نعبر عنها؟
أو لنقل إذا كان الإنسان البدائي يملك شعورا ما تجاه ميت فكيف نعرف ذلك؟
لم تكن هناك طرق سوى إحضار الميت كما يحضر البدائي هذا نوع الثمرة التي يود الحديث عنها، لكن إحضار الميت لم يكن أمرا ممكنا دائما وكذلك إحضار بعض الأفكار النفسية التي لا تمثل كائنات حية أو جمادات تدرَك حسيا..
كذلك الحاجات اليومية الكثيرة التي تطرأ على الإنسان البدائي في السوق والبيت والحقل والعقل والروح..لم يكن قادرا على التعبير عنها كلها؛
لقد وجد الإنسان البدائي نفسه في مأزق هنا
ومن هنا كانت اللغة لأنها جاءت عبارة عن(رموز) خاصة تشمل كل هذه (الأشياء والأفكار) التي يجدها الإنسان في الحياة، لقد أصبح -تدريجيا- بفعل التجربة والتواضع الحتمي اللاواعي لكل (شيء) رمز لغوي يعبر عنه ويغني عن إحضاره كما كان البدائي الذي يريد وصف امرأة جميلة بأنها تشبه تمْرة يضطر إلى الركض نحو واحة بعيدة لإحضار تمرة ثم يبدأ في محاولة ترجمة (شعوره) البدائي اللقيط.
هنا نفهم أن اللغة(أية لغة) وُجدت لسد (الحاجة) وليس لترَف، لا يمكن للإنسان السليم أن يعيش دون لغة، فاللغة كما قلنا تعبر عن حاجاته النفسية والحسية كما تختزن له وعيه وتاريخه، وهذه الخاصية في الكائنات الحية خاصة بالإنسان كما يؤكد الفيلسوف الألماني هايدغر، فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي صب فكره وتاريخ عقله وحياته وتجاربه في قالب حسي مستمر؛ هذا القالب يسمى(اللغة)
حسنا تحدثنا عن ماهية اللغة، ثم تحدثنا عن سبب نشأة اللغة لدى الإنسان، ونحن في ذلك نبدي آراء لغويينا القدامى دون أن نتعمق في النظريات؛ ذلك أن المقام ليس مقام تخصص إنما هو مقام تفحص.
الآن لنتذكر أن اللغة نشأت بسبب حاجة الإنسان إليها، وأنه لا يتصور وجود بشر دون لغة.
ولننتبه إلى أن اللغة لما كانت هي مخزن وعي الإنسان ووسيلته الأولى للحياة، كانت بالضرورة مؤثرة؛ ليس فقط في وعيه، بل في نوعية ودرجة وعيه ذلك، حيث اللغة تمارس على الإنسان سلطتها؛ فهو داخل فيها أينما كان؛ إذ يفكر فيها وبها، فلا فكر دون لغة ولا لغة دون فكر، هذا يعني أن اللغة ترسم للإنسان حركته بشكل مسبق؛ فكأنها سجن كبير يتاح للسجناء فيه الدخول هنا والخروج هناك، لكن هذا كله في سياق سجن كبير، فالإنسان إذن في علاقته باللغة مفعول به لا فاعل، وإن كانت القضية هذه نسبية فالغالب أن اللغة هي الفاعل لأنها علة لكل الخبرات الأخرى وليست معلولا لها؛ هذا يتأكد في حالة الإنسان غير البدائي؛ لأنه لم يُنشئ اللغة؛ بل وجدها نشأت قبله منذ آلاف السنين، وأعتقد أننا اليوم لسنا بدائيين.
نستخلص من النقطة الأخيرة أن اللغة التي يتحدثها الإنسان تحدد درجة وجوده في هذا الوجود، كما تحدد إمكان وجوده ولو في حالة لا يمكن إيجادها.
ثانيا :
لنتساءل عن الزنوج ما علاقة الزنوج باللغة الفرنسية هل الزنوج زنوج أم هم فرنسيون ؟
أعتقد أننا لسنا بحاجة إلى الإجابة الجينية، إن الزنوج أمة خاصة لها لغاتها أو لهجاتها(وهذا شيء جميل نحترمه لها وندعمها فيه) لكن ما علاقة الزنوج بالفرنسية؟
إنها علاقة المغلوب بالغالب، علاقة المقتول بالقاتل ،علاقة المستعمَر بالمستعمِر، علاقة الذي لا يعتبر نفسه إلا "تابعا" صغيرا يركض حيث أشار إليه متبوعه، وإلا فما الذي يجعل الزنوج يلتصقون باللغة الفرنسية بعد ما أذاقهم الفرنسيون من ويلات وتعذيب وتشريد لا تشهد له مآت الكتب والمصادر التاريخة فقط، بل تشهد له الكاميرات اليوم.
يجب أن ننبه إلى أننا لا نقصد بكلمة الزنوج كل الزنوج بل نقصد فقط الذين يدعون للفرنسية الدخيلة ومعهم فرانكفونيون منا نحن العرب، في حين ندرك أن هناك الكثير من الزنوج الواعين الذين يتشبثون بلغاتهم وتراثهم رافضين هذا الاستعمار الجديد ونحييهم على ذلك.
ثالثا :
صاغ العالم اللغوي الأمريكي الفيلسوف الفخم تشومسكي نظرية فجرت طاقات لغوية هائلة على مستوى الدرس اللغوي عموما والنفسي منه خاصة.
حيث رأى تشومسكي في اقتحامه لسؤال كيف يكتسب الإنسان اللغة، وكيف يتحدث بهذا النظام المعقد بأدوات نهائية عن أشياء لانهائية كيف؟
لقد أكد تشومسكي وجود (استعداد فطري) يخول كل إنسان لاكتساب أية لغة تعرض لها بعد مولده، ومثل لها بما هو موجود في التاريخ والحاضر، فالطفل يتعلم اللغة التي وجد نفسه بين أهلها حتى ولو لم تكن (لغته الأم)، وللتمثيل على ذلك يرى تشومسكي ،ونحن معه، أنك إذا أخذت طفلا أمريكيا خالصا وجعلته ينشأ بين من يتحدثون اللغة اليابانية فإنه سيتعلمها مباشرة وستكون هي (لغته الأم)
ذلك أن الطفل؛ كل طفل يملك استعدادا فطريا لاكتساب أية لغة تعرض لها في مرحلة اصطياد الحالات التجريدية للنحو الكلي.
الذي نستخلصه من نظرية تشومسكي أنه في حيز امتلاك اللغة والقدرة على اكتسابها بالنسبة للأطفال لا توجد (لغة أم) فأية لغة يتعرضون لها ستكون (لغتهم الأم).
إن هذه النظرية تفضح كل الادعاءات والشعارات التي يرفعها بعض الفرانكفونيين في موريتانيا من الزنوج والعرب حيث يعتقدون أن اللغة العربية (لغة أم) بالنسبة للأطفال العرب بينما هي ليست كذلك بالنسبة للأطفال الزنوج، وهذا ادعاء خاطئ تفنده النظرية السابقة كما يفنده التاريخ والواقع؛ فكل طفل تعرض للغة سيكتسبها، سيان في ذلك الطفل العربي والزنجي حين يتعرضان للغة العربية.
(ننبه إلى أننا نتحدث عن مسألة اكتساب اللغة؛ بمعنى أننا نتحدث عن هل يمتلك الأطفال اللغة بشكل متساو حين يتعرضون لها في آن واحد؟
ولا نتحدث عن الكبار الذين اكتسبوا لغة فهؤلاء أصبحت لهم (لغة أم) وأصبح لهم نحو كلي.
نعم يكون الأطفال في هذه المرحلة متساوين في القدرة على اكتساب اللغة؛ هذا من الناحية الفطرية، لكن بالتأكيد سيختلفون في مستوياتهم الإدراكية بغض النظر عن اتفاقهم في عرقهم وعدمه، هذا التفاوت هنا لا علاقة له بمعطى خارجي قصدي، إنه التفاوت الطبيعي بين البشر في كل المجالات.
ومن هنا فإن الأطفال العرب أنفسهم يختلفون في مستوياتهم اللغوية، وكذلك الإنكليز والهنود والزنوج وكل الأمم.
إن التفاوت بين البشر لا ينفي التكافؤ في الإمكان، ونحن نقصد بذلك الإمكان ما يتاح للطفلين العربي والزنجي في مرحلة الاكتساب من إمكانية معرفة لغة معينة، ولنفترض أنها اللغة العربية؛ هذا الإمكان هو العدل لأن الممكن واحد ومتساوٍ كليا، وتبقى فقط الفروق الطبيعية أو الإرادة الفردية التي تؤثثها طبعا الحالات التجريبية المتمثلة في لغة لها وجود فعلي فيزيائي أو معنوي( لغة الفكر والخيال والشعور)
رابعا :
إننا هنا ننبه إلى أن الفرانكفونيين الذين شوهوا هذه البلاد باللغة الفرنسية ينطلقون من مقدمة منطقية خادعة تضمر افتراضا خاطئا؛ هذه المقدمة هي أن اللغة العربية (لغة أم) بالنسبة للعرب، واعتمادها يعني استبعاد (اللغة الأم) لدى الزنوج؛ أي اللغة الفرنسية، متى كانت الفرنسية لغة الزنوج الأم؟؟
إن الزنوج لا علاقة لهم بالفرنسية سوى التبعية فهم لهم لغاتهم المعروفة، وأما اللغة الفرنسية فعلاقتهم بها -بما هي لغة- لا فرق بينها وبين علاقتنا نحن العرب بها، فكلانا يعرف أنها ليست لغته، ولهذا فالزنجي(الموريتاني)الذي يقول إن الفرنسية (لغته الأم) كاذب لأن (لغته الأم) لا تخلو من واحدة من لغاته الوطنية الزنجية المعروفة.
فلا فرق بينه وبين عربي يقول لك إن الصينية لغته الأم كلاهما كاذب.
كما أن الدليل على تساوي العربي والزنجي في علاقتهما باللغة الفرنسية(لا موقفه منها) هو كون العربي الموريتاني يتقن اللغة الفرنسية مثل الزنجي حين يريد ذلك، بل يتفوق عليه رغم اهتمامه بلغة حضارية عريقة في موازاة ذلك.
إذن القضية هنا قضية تسييس ومصالح وصراع وهمي وتبعية لا داعي لها، فالزنجي في وطنه هذا سيان مع العربي في إمكانية اكتساب اللغة العربية، والشواهد (الحية) كثيرة على ذلك؛ فهؤلاء مشايخ الزنوج وعلماؤهم وفقهاؤهم ومتصوفتهم ومترجموهم وشعراءهم وكتابهم وتجارهم إلخ الذين يتقنون اللغة العربية أكثر من العرب، لكن للأسف الإخوة الزنوج ابتلاهم الله ببعض المرتزقة السياسيين الذين يركضون خلف البسوس المعاصرة- كما ابتلانا بعرب كذلك- ولا ينفكون يرجعونهم إلى زمن الاستعمار والإتجار بالبشر والمواقف المصيرية التي ما زالت منذ ستين سنة تعطل حياة أمة كاملة!
خامسا :
الحياةُ عموما لا تسير إلا بمنطق الحكمة متمثلا في تغليب المصلحة المشتركة، والدين الإسلامي يفعل ذلك، فلا مكان لتعطيل مصلحة أمة كاملة بسبب رغبة شاذة، خاصة إذا كانت هذه الرغبة بلا مسوغ فعلي مثل رغبة الإخوة الزنوج والفرانكفونيين العرب في مواصلة إعاقة هذه الجمهورية الإسلامية التي تعتمد اللغة العربية لغة رسمية، إعاقة دائمة بلغة المستعمر الفرنسي.
إن فكرة تغليب لغة الأكثر هي العدل وهي الصحيح منذ بداية البشرية حتى يومنا هذا، ولا أحد يمكنه أن يقول إن الأمة التي تعتمد لغة الغالبية أمة عنصرية تسعى لتهميش الأقليات التي تدخل في حيزها السياسي؛ ولكي نبين ذلك أكثر لن نعود إلى التاريخ القديم، بل سنأتي بمثال معاصر لهذه الأمة،
فلننظر مثلا إلى الهند ثاني أكبر دولة في العالم هذه الدولة التي تضم مآت الديانات والقوميات والأقليات والعجائب والغرائب تضم كذلك ما يقارب ثلاثمائة لغة تعتمد الدولةُ منها في الدستور ما يزيد على خمس عشرة لغة بوصفها لغات وطنية، هذا واضح، لكن الهند مع ذلك تعتمد لغة رسمية واحدة هي اللغة الأولى التي يستوي في إمكانية تعلمها كل الشعب بكل فئاته وأعراقه وألسنته، هذه اللغة هي اللغة الهندية، إنها لغة الدستور الرسمية.
لماذا اختيرت الهندية من بين كل هذه اللغات؟
بالتأكيد لأن اللغة الهندية هي لغة الأكثرية؛ فهي لغة الهندوس، والهندوس هم غالبية هذه الدولة؛ لذلك من حقهم أن تكون لغتهم هي اللغة الرسمية الأولى.
لنعد إلى موريتانيا أليست غالبية موريتانيا هي العرب؟ أليست موريتانيا دولة عربية في الأساس(هذا لا يعني عدم وجود موريتانيين زنوج بل يعني اعتبار المقياس الأعم)
لا أحد يمكنه الجدال في كون غالبية موريتانيا عربا(بيظان وحراطين)
مما ذلك ليس هنالك فرق بين موريتانيا والهند في أحقية تغليب اللغة الأعم لدى الشعب، و اللغة ذات الغالبية في موريتانيا هي اللغة العربية؛ فالعدل إذن أن تكون هي اللغة الرسمية كما ينص الدستور.
لكن بما أن الداعين للغة الفرنسية بعض المرتزقة الذين يتلاعبون بمشاعر الأقليات الزنجية المنسية ولا يتذكرونها إلا في بوابات الغايات الاستعمارية فإنهم يرفضون اعتبارَ اللغة العربية اللغةَ الأولى في موريتانيا، ويعتبرون الدعوة لذلك ظلما لهم وتهميشا يستهدفهم وف-رنسا تدعمهم على ذلك بكامل ذنوبها الحضارية، في حين هي نفسها أقرت حقها في ذات المسألة حين أقصت اللهجات الهامشية في بعض أقاليمها، وكذلك أقرتْ فكرة التغليب هذه حين ألزمت المسلمات بخلع الحجاب وهدمت المساجد..
لأن ف-رنسا تعتبر غالبيتها أمة علمانية ترفض الأخلاق الإسلامية بوصفها هنالك تمثل أقلية، ولكن حين ترفض موريتانيا اعتماد اللغة الفرنسية - ليس لأنها تمثل أقلية- بل لأنها لا تمثل شيئا في موريتانيا إذ لا علاقة لموريتانيا بالفرنسية(الزنوج ما علاقة الزنوج بالفرنسية؟ لا علاقة لهم بها سوى احتقار ذواتهم إنها عبوديتهم المختارة الجديدة) حين ترفضها موريتانيا ممثلة في غالبية الشعب، يقول الفرانكفونيون العرب والزنوج الراكضون خلف المستعمِر إن هذا تهميش لهم واستهداف لهم والأدهى أن المستعمِر يؤيدهم، ونحن في الحقيقة لا نلوم ف-رنسا على التمكين للفرنسية هنا وإقصاء العربية، فهي تسعى لمصالحها، إنما نلوم أنفسنا على تهميش أنفسنا.
سادسا :
نحن العرب نرفض اللغة الفرنسية لأسباب كثيرة :
-- اللغة الفرنسية لا علاقة لنا بها ولا حاجة لنا بها
-- لنا لغة عريقة تتفوق على اللغة الفرنسية في كل شيء؛ حتى في إمكانات المواد التي مازالت تقبع في هندسات رياضية صاغها العالم العربي الخليل بن أحمد الفراهيدي قبل أكثر من عشرة قرون.
-- لنا حضارة نعتز بها ولنا عالم ضخم نحفظ في هذه الحضارة، ألا وهو لغتنا العربية، لذلك لا حاجة لنا في لغة مدنسة تمثل عصارة عصر من الزنا والاختلاط باللهجات واللغات الغربية المسمومة مقارنة بلغتنا النقية التي تعكس نصاعة روحنا الإسلامية وفساحتها؛ أليست كل لغة هي تمثيل حسي لتصورات أصحابها؟!
-- اللغة العربية بالنسبة لنا ليست مجرد لغة، إنها قطعة منا ومن تراث أسلافنا الذين كانت جدة اللغة الفرنسية تقتات من فتاة نتاجهم العلمي في "عصور الضياء".
-- لذلك فليتفهمنا الآخرون إذا اعتزينا بلغة أجدادنا وآبائنا فكل كلمة قيلت في العربية تمثل بالنسبة لنا مولودا، إن قصائد ابن ربيعة وامرئ القيس وابن كلثوم وحسان وكعب والخنساء وولادة
والمتنبي وأبي فراس جينات عربية، وليست مجرد رموز لغوية، إنها كائنات عربية نعيش معها ونرفض أن نسلمها للموت.
سابعا :
علينا نحن الموريتانيين جميعا أن نسعى لمصلحة دولتنا، وليس لمصلحة مستعمر، أو لمصلحة سياسي مرتزق، نحن "متعارفين" وعلينا أن لا نخدع ذواتنا، فالدين يجمعنا والوطن يجمعنا والجغرافيا تجمعنا، ليس علينا إلا الحوار وإعطاء الحق مكانه، لقد حان الوقت للتخلص من بقايا الذنوب الحضارية التي تركها المستعمِر في موريتانيا، لقد حان الوقت للتخلص من الاستعمار الثقافي، لقد حان الوقت لوطن عادل على الأقل في الحق اللغوي، لقد حان الوقت لاعتماد لغة الغالبية اللغة العربية، ولقد حان الوقت كذلك لاستئناف مشروع تدريس اللغات الوطنية الأخرى( اللغات الزنجية في موريتانيا) ولقد حان الوقت كذلك ليعلم فرانكفونيو الزنوج وفراكنفونيينا نحن العرب أنهم يعيشون في عصر تخطاه الزمن، فالمستعمِرُ لم يعد سيدا على هذه الصحراء، والزنوج الواعون كذلك لم يعودوا أدواتا لأطماعه الاستبدادية، لقد حان الوقت للاتفاق على اللغة الأولى ومواصلة الاعتزاز باللهجات واستخدامها في حياتنا اليومية دون إقحام للغة دخيلة في دستور دولة مستقلة.
ثامنا :
بالتأكيد مع التعريب الشامل ستكون هناك حقبة زمنية خاصة بالأبعاد التنظيرية والتطبيقية للانتقال من لغة إلى لغة، لكن هذه ليست مشكلة ذات شأن؛ فالخبراء اللغويون والتربويون والنفسيون يتكفلون بالمسألة، ونماذج نجاح مثل هذه التحولات في التاريخ كثيرة منذ بني أمية أمس حتى ماليزيا اليوم!
لنتذكر أن اللغة العربية في مرحلة الاكتساب؛ أي أمام الأطفال في المدارس سيان في إمكانية تعلمها الطفل العربي(البيظاني والحرطاني) والطفل الزنجي(الزنوج بكل شرائحهم) فهم كلهم لا يتحدثونها بل يتحدثون لهجاتهم الخاصة.
وهذا يهدم الحجة الواهية التي ينادي بها المرتزقة الفرانكفونيون حين يقولون إن اللغة العربية (لغة أم) بالنسبة للعرب، ستؤدي لتهميش الزنوج، لن يهمش الزنوج بل سيمركزون أكثر حين يتخلصون من مستعمر أنهك أجدادهم وغرب عن تراثهم ألسنةَ أولادهم.
أخيرا عطشت هذه الصحراء كثيرا ولقد حان وقت المطر
وقت المطر قد حان.