يقول جان أبول سارتر:
" الناس يُؤذون بعضهم البعض بقدْر النقص الموجود لديهم ! "
تدور مقولة الفيلسوف الكبير " جان ابول سارتر " حول جانب العلاقة بين الناس الجانب السيِّئ، ذلك الجانب الغريب و المُريب و أُصوله و أحجامه.
المُنطلَق الأول:
أن الناس صنف واحد يواجه نفسَ الأخطار و يتقاسم نفسَ
المصادر و الظروف، فلماذا يؤذي بعضهم بعضا ؟
و ما فائدة ذلك على الجاني ؟ و ما هي الدوافع؟
المُنطلَق الثاني :
لماذا يكون النقصُ المصدر و المُسبب الأول؟
قبل محاولة النظر في إجابة هذا الأسئلة و غيرها ،
ما هو النقص المقصود في مقولة "سارتر" ؟
هل النقص هو ذلك التَّشوُّه الخَلْقي عند العامة و الذي لا دخل للفرد و لا للمجتمع في حصوله بشكل عام؟
أم أن النقص هو ذلك القُصور الذهنيُّ الخَلْقي و الذي يُشبه صاحبه السابق ؟
أم أن النقص في التربية و التأهيل ؟
و بذلك تتحمل العائلة و الإدارة جزءًا منه ،
أم أن النقص هو تَخاذل الفرد عن وسائل الإدراك و الوصول إلى الغايات و الأهداف؟
أم أن النقص حاصل بسبب قدرات خارقة حصل عليها الآخر ،
و كانت سبب تميزه و صعود نجمه؟
ما يتبادر إلى أذهان أصحاب التميِيز و التحقيق هو النقص الأخير بشقيه؛ شقه الأول و هو عجز الفرد عن إدراك غيره رغم المحاولة أو التخاذل ، و الشِّق الثاني تُمثله تلك القدرات التي يتميَّز بها البعض دون غيره مما يُفسح المجال أمامه للوصول إلى مراكز النجاح و القرار و الشهرة و القَبول و ربما الخلود ! بمعنى البقاء في الذاكرة و المَجامع الفِكرية.
و بالعودة إلى مقولة "سارتر"
يمكن طرح سؤال آخر وهو
هل يؤذي الناس بعضهم البعض بحجم النقص عند المُؤذِي حقا؟
هذا الجانب من المقولة يستخدم ظاهرة التعميم المُطلَق، و هي ظاهرة تحمل في طياتها سلبياتٍ كثيرة، و من أجمل ما قيل في ردِّها مقولة الفيلسوف : "مارك توين"
"التعميم خاطئ؛بما فيه مقولتي هذه"
لذلك من الأحسن تعديل السؤال و طرحه بطريقة أكثر لُطفا و قَبولا
هل هناك أذية تحصل بسبب نقص عند المُؤذِي ؟
يرى كثيرون أن هذا النوع حاصل بسبب الحسد و العجز و أنه ينطبق على أصناف كثيرة من المخلوقات ، فبعضها يكون أشرسَ و أكثرا فتكا في حال إصابه أو جرحه أو حتى عدم قدرته على مُرافقة القطيع!
لكن هل هناك أذيّةٌ مُعاكسة؟
المُقيمون خارج السطح المُتاح للعَامة يعتقدون - أو غالبيتهم - أنهم مشغولون عن تلك التُّرهات بما هو أهم و أفضل و هو زيادة النجاح و التفوق ، و الذي يكون حسب تصورهم لمصلحة
الجميع في النهاية،
لكن مقولة "مارك توين" ستكون حاضرة مرةً أخرى لمقابلة تلك
الحصانة المُطلقة.
و الظاهر أن مقولة : "جان ابول سارتر" تحمل في لغتها جَلْدًا عنيفا للمجتمع و للمستضعفين فكريا و سياسيا و اقتصاديا بشكل خاص ، لكنها رغم كل ذلك تحمل جانبا كبيرا من المِصداقية و الواقعية، فهل ستُثبت الحضارة في تطوُّرها الجديد عكسَ ذلك تماما ؟
أم أنها كما تَحمل معها فوائدَ التطور و العلم تحمل أيضا شوائبَ الحِقب الماضية و أمراضَها المُزمنة ؟ .