مُـحَـمَّـــلْ اَبْـنُـو بَـعْـدْ مَلْسَه عَنْدُو هِنْدُو
ؤُلَا هُو جَاحِدْ عَنْ حَدْ عَنْهَا مَلْسَه عَنْـدُو
لو أردنا تصنيف هذا الگاف لقلنا ببساطة إنه يندرج في إطار الغزل الصريح، بل إذا تأملنا أكثر قلنا: لقد غمطناه حقه؛ إنه من الغزل المستفز والمتبجح بكشف المستور، خارجا بذلك عن أدبيات لغن لدى مجتمع مرابطي محافظ.
فكثيرا ما استخدم الشعراء ألقابا وصفات تحاشيا لذكر الاسم الصريح للمحبوبة: (ولفي- العراد- الريم- متانت حزمي- متانت لهلاك- سبت طربي ...)
في هذه المسميات على اختلافها وتنوعها، مندوحة للشاعر عن ذكر الاسم الحقيقي لمن يقصد، تفاديا للإحراج، وصونا للعلاقة، ومراعاة للذوق العام.
لكن الجديد في هذا النص حضور الشاعر باسمه ووسمه منذ العتبة الأولى للگاف، ليباشر إقراره الصريح بهويته؛ فهو المتحدث لا سواه، وهو صاحب الإدلاء بالشهادة لا غيره، فلا حاجة إذن للتقول ولا التأويل:
(محمل ابنو بعد ملسه عندو هندو)
لقد قدم منذ الجملة الأولى الحقيقة كاملة، وقطع على المرجفين الشك باليقين.
هل الخبر صادم؟
ليكن ذلك!
ولكنها الحقيقة لا مراء فيها، ويأتي الجزء الثاني من الگاف تأكيدا لها، وتحديا لمن يشكك فيها:
( ؤلا هو جاحد عن حد عنها ملسه عندو).
شجاعة وصراحة نادرة، تستدعي تحمل تبعاتها أيا كانت، ولكن الشاعر بدا جسورا مقداما، قدم الخبر علنا بما لا يدع مجالا للشك، وحدد طرفي الشراكة بالاسم العلم.
ماذا أراد بهذه المصارحة والمكاشفة للمتلقي؟
-أهو يسعى إلى الخروج على نواميس المجتمع والتحدي لممنوعاته؟
- أم أن غلبة المحبة عليه أخرجته عن طوره فوجد في التصريح متنفسا لمعاناته؟
ولكن لنتوقف قليلا ونتساءل:
- ماذا قال ول أبنو مما يستوجب الشجب، عدا أنه يستحسن أو يستظرف هذه الفتاة؟
وهل نعتها رغم ذكره الصريح لاسمها، سوى ب (لملوسيه)، وهي كلمة حيية مسالمة وإن كانت محملة بكل معاني الإعجاب واللهفة؟
لا شك ان لطواعية الكلمات بين يدي الشاعر، وانسياق الإيقاع النبري له، واعتداده بفتوته وأدبه، ما يجعل التحدي واردا وقائما على المستويين الإبداعي و الاجتماعي.