هذه بقيّةٌ ممّا تَرَكَ آلُ فُصحَانَا توظِيفَه من مفردَاتِها العرِيقَةِ فوكَّل اللهُ بها قومًا مِن أهل هَذَا الَّربْعِ ليسُوا بها بكَافِرين فرَعَوْها حقَّ رِعايتِها فاستعملُوها في حياتهم اليوميةِ، مُثرِين باستخدامها مُعجَمهم اللغويَّ، مبيِّنِين للذين لا يعلمون، وللذِين لا يريدون أن يعلمُوا، أنَّ اللُّغةَ الحسَّانيةَ هي الحَاضِنَةُ الشَّرعيةُ للّغة العَربِيةِ الفُصحَى بلاَ مُنازِعٍ ولا مُنازِعةٍ، وصدقَ الشاعرُ الحسنِيُّ الذِّيب الصَّغِير، وهو أحمَد ولد عبْد اللّه ولد المُختَار ولد المَحمُود ولد مُحمَّذن ولد بُو المُختَار، المُتوفَّى عامَ 1343 من الهجرةِ حِينَ صدَعَ بقولِه:
لنَا العَربِيةُ الفُصحَى وإنَّا...أعَمُّ العَالَِمِينَ بها انتِفَاعَا
فمُرضَعُنا الصَّغِيرُ بِها يُنَاغِي...ومُرضِعُهُ تُكَوِّرُهَا قِناعَا
ونأخُذُهَا من الكتْبِ اعتِمَادًا...
ونَرضعُها مِن الثّديِ ارتِضَاعَا.
تأسِيسًا على ما سبق فإنَّ القاضِيَ محمَّدن (يحيَـى) ولد محمَّذن فالْ ولد أحمدُّو فَالْ (لمْرابَط) التندغِي، المتوفَّى عامَ 1400 من الهجرةِ الموافق عامَ 1979 من الميلادِ قد أبدع نظمًا أحصَى فيهِ مفرَداتٍ عربيةً فصحَى أصِيلةً ما زالَت حسانِيّتُنا تستَخدمها بنفسِ الدلالَة المُعجَميةِ التي وُضِعت لها أصلاً في لغة العرَب، يقُول:
و"دَبَشٌ" أثاثُ بيتٍ وسَقَطْ...متاعِه، محرَّك بلا شَطَطْ
و"دَغْفَقَ" الماءَ كثيرا صبَّه...ودغفقَ المطَرُ أبدى صبَّه
'تَبَعْرُصٌ' 'تَبَرْعُصٌ' ترادَفا...تحرُّكٌ ثم اضطِرابٌ ألفَا
جاء 'سَبَهْلَلاً' بمَعنَى ليسَ فِي...عملِ دنْيَا لا ولا أخرَى يَفِي
و'فَشَّ' وَطْبَهُ إذَا أخرَجَ مَا...فيه مِن الرِّيحِ كمَا للْقُدَمَا
و'حَدَجٌ' محرَّكٌ للحنْظَلِ...والعلْقَمُ الحَنظَل إن تمَثِّلِ
و'شَاطَ' سمْنٌ ثم زيتٌ نضجَا...حتّى إذا إلى احتِرَاقٍ خَرجَا
'تَمَطَّقَ' الرجُلُ أيْ تذَوّقَا...وقد أتى في بيْتِ الاعشى مُنْتقَى
ورجل 'يَهْبِشُ' للعِيالِ أيْ...يبحث عن رزقٍ لهم في كلِّ حيْ
بوزن يَضْرِب، و'سَلْتُ' الشَّعَر...
الحَلقُ والمسْحُ بالاصبَعِ دُرِي
و'بالشِّظَاظِ' سَمِّ عُودًا يُدخَلُ...في عُروَتَيْ جوَالِقٍ إذْ يُجعَلُ
وهو يُشدُّ بالحِبالِ ويكُونْ...شبرًا، وبالكتاب وزنُه يَبِينْ
وزيَّنتْ هندُ البناتِ 'حَفَّلَتْ'...بناتِها، وهْي كذَا 'تَحَفَّلَتْ'.
تغمّد اللهُ برحمتِه التي وسعت كلَّ شيءٍ أعلامَنا، شُعرَاء، فقهاءنا، لغويينا وقُضاتنا وجزاهم الغُرفةَ بمَا صبَرُوا علَى الذَّودِ عن حِمي لغةِ الضاد، لغةِ القرآنِ، كلامِ ربِّ النَّاس...فلْنجْتهِدْ طاقَتَنا علَى أن لاَّ تأتِيَ 'الكَصرَةُ' مِن تِلقائنَا.
طابت ليلتكم وشملَنا وإياكم بحفْظِه ورعايتِه مَن لاّ تأخذُه سِـنَةٌ ولاَ نَـوْم.
وأختم قوْلي بالصَّلاة علَى الذِي
شفاعَتَه أرجُو عَنَيْتُ محمَّدَا.
...................
• وبيْتُ الأعشَى، ميمون بنِ قيس، أبي بصِير، الذي أشار إليهِ القاضي محمّدن ولد محمّذن فال هو:
تُريكَ القذَى من دونهَا وهْي دونهُ...إذا ذاقَها مَن ذاقَها يَتَمَطَّقُ..
والذي قبلَهُ:
وشاوٍ إذَا شِئنَا كمِيشٌ بمسْعَرٍ...وصهبَاءُ مِزْبَادٌ إذَا ما تُصَفَّقُ
تُرِيك القذَى من دونها...الخ..
والبيتَان من قصِيدتهِ المعروفة، والتي مطلعُها:
أرِقتُ وما هَذا السُّهادُ المُؤرِّقُ...وما بِيَ من سُقْمٍ وما بِيَ مَعشَقُ.
ومنها:
لعمرِي لقد لاَحَت عيونٌ كثيرةٌ...إلَى ضوءِ نارٍ في يَفَاعٍ تحَرَّقُ
تُشَبُّ لمَقرُوريْنِ يَصطَلِيانِها...وباتَ على النار النَّدَى والمُحَلَّقُ...
إلَى لقاءٍ وشيكٍ، تُصبِحونَ علَى الخيرِ والنَّدَى والبَرَكَات...
ابّوه ولد بلبلاه