إعلان

من وحي المعنى / الأديب والمفكر اليمني مهيب نصر

خميس, 02/03/2022 - 23:59

 

الأديب والمفكر اليمني مهيب نصر

 

 

ثمَّة معالجات ناجعة، وشروحات خصبة، لمسائل واضحة، ومعالم فاضحة، لا ندركها لكثرة ابتذالنا إياها، ولا نتعرف عليها من حيث هي لتهوّكنا فيها من زوايا مجانبة لها، أو زوايا معتلقة بجوانبها، ولكنها محدودة. في كتاب " أيها المارون بين الكلمات العابرة"، للأستاذة الموريتانية القديرة أم النصر، رأيت تلكم المعالجات المتجاوزة للغبار الذي علق ببعض المفاهيم المبتذلة، والمسالك المستهلكة، دبجت كتابها المتفق والشذرات الطويلة، مع إيقاظات باذخة، وهتامات فاقعة، وحرارة قاصدة، تبتغي نوال الصواب، واجتذاب المعنى، والغور في مرامٍ بعيدة وقريبة، حتى نالت من مسعاها ما نالت، وتمخضت عن جدها ألقًا. 
تجادلت والقارئ، وكأنها تقرأه، وتناوشت مع الواقع لكونها تعيشه، وخضبت ببنانها بعض ما جادت به قريحتها، من متحصل العادات البالية، والأفهام السقيمة، والتدينية الفارغة، والعتاب الشجي، والنصيحة المسداة، والتجارب الحميمية، وغير ذلك مما ذهبت إليه، وكانت الشجرة التي  اقتطفت منها حاضرة كحضور حال أمتنا المتحصل، ومعاول هدمنا القائم، كرسم قلمها الساعي إلى الترميم. غير أن ميزة الكتاب الأول ليس انجازه فحسب، وإنما خوض تجربة الكتابة، والإرادة في خلق خطوتنا الأولى، ونزف مدادنا الأسود على البياض، غاية أن تصِل رسالتنا، وتدفعنا إلى مشاريع قادمة، في ترقٍ مستمر، حتى تكاد تكون الرسالة شخوصنا، لثراء ما أوجدنا، وما بنينا من مدارس خالقة. هذا ما أراه في يراع كاتبتنا الألقة، وما يكتم الغيب عنها، ويفصح عنه عالم الكلمة، خاصة فيما يخص المبدأية التي تحتقبها، والقيم التي تغرسها، والنبالة الظاهرة في عباراتها، من رفضها للطغيان، ونبذها للتطبيع، وهيامها بفلسطين القضية والهيام. المؤاخذات على الكتاب، مؤاخذات البداية التي كبوت فيها قبلها، حين خطيت كتابي الأول، وكل صاحب بداية، وهذه المؤاخذات لا نقف عندها حال تصعد الكاتب في سلم الصعود، ولكن الوقوف الأكثر عدالة، بعد وقوفه لا حين تصعده، فمسألة أن يصدر المرء كتابًا، لا تعني بالضرورة إنه صعد، وإنما تعني المحاولة لتحقيق ذلك، ثم إن الكتاب الواحد، وخاصة الكتاب الأول، قد تتداخل صاحبه الرغبة والإرادة، أكثر من المعرفة، ولذلك نرى بعض الكتاب الكبار يتحسرون على كتبٍ خطوها بادئ أمرهم، نظير ترقيهم بعد ذلك في سلم المعرفة، التي بدورها أوضحت خطلهم وزللهم في كتابهم؛ وربما كتبهم الأولى، بيد أن ذلك الكتاب، أو تلكم الكتب كانت الأساس، الذي لولاه لما كانت كتبهم الأخيرة التي يفاخرون بها ونفاخر بها معهم كقراء. 
بعض الاقتباسات الجميلة التي قرأتها في الكتاب : 
* البقاء في القاع ما هو إلا قرار نتخذه تماما مثل اتخاذنا قرارا بالصعود إلى القمة. 
*يحدث أن نقوم بإنهاء حياتنا ونحن على قيد الحياة، حين نتخلى عن عيشها كما ينبغي. 
*الحياة مجموعة مقطورات، ولكل إنسان مقطورته الخاصة به، لذا احذر من حمل ما يعاكس قناعاتك وقيمك ما استطعت، وتخفف كي تصِل.
*العقل السليم ليس بالضرورة في الجسم السليم، فقد حدث أن غير بعض المعوقين العالم، وجعلوه مكانًا أفضل للعيش.
*فرق كبير بين الرجولة والذكورة، وفرق أكبر بين الذين أدركوا هذا الفرق والذين لم يدركوه.
*علاقتك بالله لا تعنيني، ومستوى إيماني به لا يعنيك، ما يعنينا معًا، هو أن لا نرتكب الحماقات باسمه.
*وحدها الرسائل التي نكتبها بدموعنا لا يمكنها أن ترسل. 
* في الحروب لا علَم؛ يعلو علم الصليب الأحمر، حين نكست جميع الأعلام، حدادًا على إنسانيتنا، لعله الدليل على بقية رأفة وعلامة خير...بعد أن كُنَّا قبل زمن نُقتَل وتدمر أراضينا العربية باسم الصليب!
قليلٌ من كثير هذه القبسات، مع جم التقدير للكاتبة المبدعة، والنصيحة للقارئ باقتناء الكتاب.