أشرف المختار ولد داهي وزير الثقافة والناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية مساء اليوم (الثلاثاء)، بفندق عزة آتلانتيك" بنواكشوط، على افتتاح الفعالية الأولى من برنامج "زهو اليراع"، الذي يشكل مكونة رئيسية في خطة العمل الجديدة التي وضعها اتحاد الأدباء لموسمه الثقافي لهذا العام 2022.
وتميزت فعالية اليوم بتخصيص ندوة حاشدة عن حدث النشر الأبرز حاليا في الساحة الثقافية الموريتانية وهو صدور كتاب "رحلة مع الحياة" مذكرات العلام الشيخ الدكتور محمد المختار ولد أباه.
وجرت وقائع الندوة بحضور عدد كبير من رموز الثقافة والأدب والفكر وأساتذة الجامعة ورجال الإعلام.
وفيما تنشر "السدنة" نص خطاب وزير الثقافة بالمناسبة:
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على النبي الكريم
أيها الإخوة سادة الكلمة أرباب الاستعارة؛
أقف بينكم اليوم من أجل افتتاح ندوة "زهو اليراع" وأنا مفعم بالسرور، يدثرني الفخر وتتملكني الغبطة، أقف بينكم ونحن ننتجع هذا الإرث الضارب في الجمال والزمن، هذا الناي الذي لم يكن أبدا مزهوا أكثر من يومنا هذا؛ مزهوا وهو يدشن رحلة وجدانية في كتاب "رحلة مع الحياة" للدكتور الشيخ محمد المختار ولد اباه: هذا الجهبذ الفذ الذي وضع بصمته على تاريخنا الفقهي والتربوي والأدبي والسياسي، فكان المؤرخ الفطن، والفقيه المتمكن، والأديب الأريب..،
فأي رحلة هذه! وأي شجاعة من لدنكم وأنتم تبحرون بين الأمواج المتلاطمة لكتاب يصعب فك ما بين سطوره من معلومات وأخبار وتحاليل وتصريحات وتوريات وأفكار عامة وأخرى عالمة.. إنه خلاصة لتجربة أمة كاملة؛ تجربة يتعانق داخلها الكثير من السياقات الثقافية والأنساق المعرفية.
لست – معاذ الله - أستكثر عليكم الطموح الكبير، ولا أعترض حقكم في علو الهمة، ولا أنكر أنكم الأجدر بكل عمل جبار عظيم؛ لكنني - وأنتم الأعلون لا شك في الرأي والرؤية - أجد في هذا الكتاب موسوعة من المعلومات والأفكار والرؤى، وأرى في كاتبه مؤرخا وفقيها وتربويا وأديبا وسياسيا يصعب تناوله في ندوة محدودة زمانا ومكانا.. صحيح أنني طالما راهنت على مواهبكم وعلى قدراتكم وعلى طموحكم؛ لكن الصحيح – أيضا - أن "رحلة مع الحياة" غطّت عقودا وحوت مجالات واختصرت مكتبات يحتاج فك طلاسمها أطول من ساعات، ويستحق الاستفادة منها أكثر من حضور قاعات ..!
ومع كل ذلك؛ لكم العذر في أن تبذلوا الجهد وتوفروا الممكن؛ وعلى رأي الأصوليين درك كله "ما لا يدرك كله لا يترك جله" فلنمض، مبحرين إذن، في هذه الرحلة الجميلة المرصعة بجواهر البحث داخل كنز الذاكرة والذكريات؛ حيث يتناغم جمال الطبيعة ونقاء الفطرة مع عمق الاستشكال وقوة الإرادة.
أدباءنا وشعراءنا الأفاضل،
ها أنتم الآن تدشنون نشاطاتكم بعمل جليل يبرهن على سمو المقاصد وبعد النظر، ويطمئِن على قابل أيام اتحادكم الذي يعول عليه الوطن في شاردات الهموم وواردات المشاغل، لقد كنتم - وما زلتم - نبراس الرقي، ومشعل الوعي، ومصباح النقد والتقييم والإصلاح.. إنكم أمل وطن في الحفاظ على إرثه وعلى تاريخه، وعلى مكانته مصارعا تقليديا قويا في قمم الأدب والثقافة.
فبكلماتِكم المشبعة بالمعاني الرصينة الملتزمة والهادفة.. بقوافيكم المستنيرة الزاهية.. بأقلامكم وحبركم.. بدفاتركم وكتبكم.. بندواتكم وملتقياتكم.. بكم وبكل إبداعاتكم صلحت –وتصلح - عجلة قاطرة النماء وتتحرك بتؤدة نحو الأفق البعيد: حيث ترتسم لوحة مضيئة لوطن كله وحدة ومساواة وعدل وإنصاف.. وطن تتناغم وتنصهر فيه جهود الفيلسوف والمهندس والبنّاء والطبيب والراعي والأستاذ والأديب.. وهكذا نفتأ نذكركم بأن الأمل معقود عليكم لبلورة نصيبكم الوافر من لبِنة البناء.. فالأدب كان دائما رافعة عظمى من روافع التنمية والمساواة والحياة.
إن الأمل يحدونا في اتحادكم لاستعادة ربيع ألق الثقافة وطلاوة الشعر ورزانة الأدب.. وإني لعلى يقين، لا يساوره أدنى شك، بأن رئيس الاتحاد بيده الطولى في الميدان، وبما يملك من مقومات وكفاءات، قادر على تجسيد هذا الأمل؛ خاصة أنه محاط بفريق يمتلك جميع المعايير والأدوات التي تحتاجها الوثبة اللازمة لرتق ما فتقه الزمن من إرثنا الأدبي الثقافي.. آن لنا أن نستعيد ذلك العرش الذي بنيناه في ظروف أصعب وبمقومات أقل؛ آن لطموحنا وعزيمتنا أن يعودا لسالف عهدهما.
سدنة الشعر والأدب الأكارم؛
يظل اتحادكم هذا، بالنسبة لنا، الأنموذج والقدوة؛ حيث نعول عليه كثيرا، وحيث يجدر أن تحتذي به الاتحادات والمنابر والمنصات كافة في تجسيد القطيعة النهائية مع موضة التجزئة، وثقافة الانقسامات والتمييع المنفرة، ونزيف التجاذبات السلبية، وطامة صرف الاهتمام عن الأهداف الكبيرة إلى سفاسف الاهتمامات الجانبية الثانوية... إنه، في تقديرنا، طوق النجاة وبلسم الشفاء لثقافتنا وأدبنا وشعرنا..
إنه من الوارد دون شك؛ بل لعله من الواجب، في هذا الظرف الذي طبعه خطاب رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، بمدائن التراث في مدينة وادان، حول ضرورة القضاء على رواسب ثقافة الاستعلاء الوهمي، ومحاربة بقايا الطبقية المعيقة؛ ابتغاء ترسيخ مفهوم المواطنة.. إنه من اللائق أن يكون اتحادكم في طليعة من يتبنى مقاصد هذا الخطاب فيتخذ كل الإجراءات من أجل تملكه وإشاعة مراميه بين الناس، كل الناس؛ لأنكم تملكون القلم والموهبة، ولأنكم تعرفون ما للكلمة الأدبية، شعرا كانت أم نثرا، من تأثير في نفوس ساكنة هذه البلاد منذ فجر التاريخ.. ولأن رسالتكم تقتضي بث النور ومحاربة الظالم، فالأدب – كما يقرر عديد النقاد - التزام أو لا يكون.
وختاما، لعله من حشو القول تأكيدي لكم أن قطاعنا معبأ كل التعبئة وعلى استعداد كامل لكل شراكة مع اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين وفي أي شيء من شأنه تحقيق أهدافه وتنفيذ نشاطاته وخطط عمله.. فالقلوب والأبواب كلها مفتوحة على مصاريعها أمامكم.
تحية إجلال وإكبار لكم كلكم مرة أخرى، وعلى بركة الله نعلن افتتاح ندوتكم الميمونة، والله نرجو أن يوفق أعمالكم ويكللها بالنجاح الدائم.
والسالم عليكم ورحمة هللا تعالى وبركاته.