
بداية التسعينات من القرن الماضي كنا نقطن منزلا في (ilot R)، وزارنا ذات مرة أحد الأقارب، وكان كهلا سبعينيا جواب آفاق، شديد التطلع، يحب السمر، ويتحدث دائما عن أسفاره بين الأقاليم والمدن في القارة السمراء.
يعرف الرجل كيف يستحضر حكايات وطرائف ونوادر كثيرة عن أسفاره، ويسترجع ذكريات عن من الْـتَـقَـاهُـمْ وتحدثَ إليهم؛ فهو يحفظ الأسماء والتواريخ، والتفاصيل الدقيقة؛ مما جعل مجلسه محببا إلى الناس، لا يخلو من مستمعين.
وأثناء تردده على مسجد الحي، تعرف على الإمام، وكان مقاربا له في السن، فحصلت الألفة وأصبحا تربين لا يفترقان، وكثيرا ما جلسل يتناولان الشاي في الصالون ويتحدثان مع الوالدة والزوار
ودعيت ذات مرة لحضور حفل الثامن مارس، وحين تهيأت للخروج، صادفتهما عند المدخل، فسألني:
-إلى أين أنت ذاهبة؟
فأجبت: لقد دعيت لحضور عيد المرأة في دار الشباب القديمة.
-ومن يقيم هذا الحفل؟
-تقيمه كتابة الدولة المكلفة بشؤون المرأة.
وسأل ضيفنا:
-ومن يحضره؟
فأجبت:
-تحضره كاتبة الدولة لشؤون المرأة وطاقمها الإداري، وممثلون من مختلف القطاعات الحكومية، والهيآت الدبلوماسية.
ثم نظرت في ساعتي مستعجلة عسى أتحلل من ربقة الأسئلة.
فقال لي الإمام:
- "يَا امْنَيْتِي مَانِكْ وَاعْدَه شِي، لِمْرَه عِيدْهَا أَلَّا الْفَطْرْ وَللَّ عِيدْ الْحَمْ، ؤُهُوَّ عِيدْ الْمِسِلْمِينْ كَامْلِينْ، عَاكِبْ ذَاكْ الْحُرَّةُ لَا تَسْرِي، وِانْتِ عَنْدِكْ إِشَاشْرَه مَسْؤُولَه عَنْهُمْ شَرْعاً، ؤُلِعْلَيَاتْ خَصْرُوهُمْ الْمَدَارِسْ، وِاحْمَارْ مَضَمَّاتْ، وِالتَّشَبُّهْ بِالْكُفَّارْ، كِلْهُمْ لَابْسَه الرَّقيقْ، وِامْدَلْيَه أَعْرَافْهَا كِيفْ الْغُولَه، ؤُتِسَّرْسَرْ مِنْ لَكْلَابْ ؤُلُوقَاقِيتْ، ؤُتَمْدَغْ شِنْكُومْ، ؤُعَاظَّه مَيْشْ مِنْ جِيتَانْ، وَاَصْحَابْهَا شِي مِنْ لَغْرَاسْ ؤُكُورْدِكَيْنَاتْ، وِاتْبِطْ أَيْدْهَا لَلِّي اتْوَلَاهَا، ؤُتَظْحَكْ الْفَوْكْ كِيفْ الرَّاجِلْ"
أفزعتني الصورة الغريبة التي رسم للمرأة المتعلمة.
وَلكنه مَا إِنْ تَوَقَّفَ عَنِ الْكَلَامِ حَتَّى اسْتَلَمَ ضيفنا وقريبنا المهمة، فكال للمرأة أضعاف مَا قال صاحبه، وأطر المرأة في إطارها الصحيح كما يراه؛ "من لا تغادر منزلها، ولا ترفع صوتها، ولا تظهر زينتها، وتقرأ القرآن، وتهتم بشؤون البيت".
ثم ناشدني بحق الرحم والقرابة ، ألا أذهب ليلا إلى مجالس السوء.
رجعت وأنا أتميز غيظا، ولم أنبس ببنت كلمة.
وبت أفكر في هذا التجني على النساء، والنظرة المتحيزة ضدهن، وفي الصباح كتبت هذه المقطوعة، ونشرتها في جريدة الشعب.
تحية الشيخ المحافظ لعيد الثامن مارس:
حُـيِّـيـتِ فِي عِـيدِكِ الْمَـيْـمُـونِ غَـانِيَّـةً **وَظَـلْــــتِ تَــرْعَـــــاكِ أَنْـظَـــــارٌ وَآذَانُ
فَــشَعْـــرُكِ الـدَّهْــــرَ أَهْـــلَابٌ مَلَــوَّنَــةٌ ** يُـقَـصُّ مِـنْـهُ، وَتَـبْـقَى مِنْــهُ أَفْـنَـــانُ
عَـيْـنَـاكِ كُـحْــلٌ وَأَهْــــدَابٌ مُـبَـرْعَـمَـــةٌ ** وَسَاعِــدَاكِ أَسَــاوِيـــرٌ وَعِــقْـيَـــــــانُ
وَفُــوكِ لَا فُــضَّ فُــوكِ، اللَّهُ يَكْـلَــــؤُهُ ** فَـفِـيـهِ مَـا فِـيـهِ؛ شِنْكُـومٌ وَجِـيـتَــانُ
كَـمْ ذَا يُقَـالُ إِذَا اسْتَـرْسَلْــتِ راقِـــسَةً ** السِّحْــرُ سِحْــرٌ، وَأَغْـــوَالٌ وَجِـنَّـــــانُ
بَـيْـنَ الْكَـوَالِيــسِ آلافٌ بِكِ اسْـتُـلِـبُــوا ** مُخَـنَّـتُـــونَ، وشُـــبَّـــانٌ، وَوِلْـــــدَانُ
لَا تَسْمَعِي عَــذَلًا مِنْ نَـاصِـــحٍ ذَلِـــــقٍ ** فَإِنَّمَا الْمَــــرْءُ أَصْـبَـــــاغٌ وَأَلْـــــوَانُ